ثاقبات (١) الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره ، لا تحويه الأماكن لعظمته ، ولا تدركه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقاييس الكبريائه ، ممتنع من الأوهام أن تكتنهه (٢) ، وعن الأفهام أن تستغرقه ، وعن الأذهان أن تمثله، وقد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته الطائف الخصوم .
واحد لا من عدد ، ودائم لا بأمد ، وقائم لا يعمد ، ليس بجنس فتعادله الأجناس ، ولا بشبح فتضارعه (٣) الأشباح ، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات ، قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه، وتحيرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته ، وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته ، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك (٤) ملكوته .
مقتدر بالآلاء ، وممتنع بالكبرياء، ومتملك على الأشياء ، فلا دهر يخلقه ، ولا زمان يبليه ، ولا وصف يحيط به، وقد خضعت له الرقاب الصعاب في محل تخوم قرارها ، وأذعنت له رواضن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها .
مستشهد بكلية الأجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، ويفطورها على قدمته ، وبزوالها على بقائه ، فلا لها محيص عن إدراكه إياها ،
__________________
(١) في نسخة (ج . ه ) والحجرية : باقيات ، وفي ك : ناقبات .
(٢) في نسخة (ع) : تكشفه .
وتكتنهه : بمعنى لا يبلغ كنهه ، أي قدره وغايته الصحاح ٦ : ٢٢٤٧ ـ كنه .
(٣) المضارعة : المشابهة ، الصحاح ٣ : ١١٤٩ ـ ضرع .
(٤) في نسخة (ك) : أفكار ، وفي حاشيتها في نسخة : أفلاك .