للإبداع ؛ لأنه ليس قبله عز وجل شيء ، ولا كان معه شيء ، والإبداع سابق للحروف، والحروف لا تدل على غير نفسها .
قال المأمون : وكيف لا تدل على غير أنفسها ؟
قال الرضا عليهالسلام علي : الآن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً ، فإذا ألف منها أحرفاً أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، أو أكثر من ذلك أو أقل ، لم يؤلفها لغير معنى ، ولم يكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً .
قال عمران : فكيف لنا بمعرفة ذلك؟
قال الرضا عليهالسلام : «أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه : أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ، ذكرتها فرداً ، فقلت : ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها ، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، وإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً . وجعلتها اسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها ، أفهمته ؟، قال : نعم .
قال الرضا عليهالسلام : واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ، ولا اسم الغير معنى ، ولا حد لغير محدود والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل على الإحاطة كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس : لأن الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء ، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك ، وليس يحل بالله جل وتقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا، ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ، ويُدرك بأسمائه ، ويستدل عليه بخلقه ، حتى (١) لا يحتاج في ذلك
__________________
(١) في المطبوع : حق ، وما في المتن أثبتناه من النسخ والتوحيد والبحار.