ثمّ انهمكت الخلفاء والملوك من العرب والعجم في استعمالهم الكذب وارتكاب المنكرات التي لا تجب لمثلهم على سبيل النبوة المحمّدية والخلافة العلوية التي فرضها الله تعالى وسنّها محمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأمر بها ونصّ عليها.
فاضطرّوا إلى وضع المدارس مشغلة للعوام التي ألفت بالقلوب والأوهام السماطات الدسمة والملابس الفاخرة والأنعام ، وسموا كلّ رئيس من الرعاة إماما ، ليصحّ لهم الخلافة المملوكة بينهم ، ويصير الخليفة الغاصب لكل إمام منهم إماما ، وهم يعلمون أنّهم يرتكبون الآثام ويأكلون الحرام ، وأصلح الساكنين بالمدرسة داعي الخليفة الغاصب ، قائما بعرضه ، مناوئا لمعاديه ، مرتقبا على من يطعن فيه ، مكفّرا لمن لا يواليه ، يأخذ على ذلك الجوائز السنيّة والمساكن العلّية والمراكب البهيّة والمطاعم الشهيّة ، والملابس الفاخرة والمقامات الباهرة ، والتنعّم والتلذّذ في المنام ، والتقلّب في مستراح الحمام ، وأعلا مكانه في المدرسة أن يناقض ويعارض ويدّعي قيام الحجة على الروافض.
وتتابع الناس على ذلك طبقا بعد طبق ، وجيلا بعد جيل ، واندرجوا عليه خلفا أثر سلف ، ونشأ مذهب الجبريين بين العوام واندرج فيه الخاص والعام ، واستتر عمال الشياطين ومكراء الفراعنة من السلاطين ، والعامي بعقده على هذه المذاهب أسرع من انعقاده على معرفة الله ، وهو مذهب يغوث ويعوق ونسر ، واشتغل علماء الجمهور بالخلاف والشقاق ، وألقوا من تابعهم من الباعة والفلاحين في يمين الطلاق ، وغشيت المدارس وأحدث التفاضل والتنافس ، وانتظم العالم على صورة من قال غيرها ـ وإن كان صادقا ـ كفّر ، ومن التبس بسواها احتقر » (١).
__________________
(١) الكشكول فيما جرى على آل الرسول : ١٩ ـ ٢٥.