أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه وأتبرك به ، وإنما أردت أن أنظر إليه «وإلى جسده ، هل به جراحة وأثر السيف؟ قال : لا ، بل أكسوك خيراً من هذا ، فقلت : يا ابن رسول الله ، لا أريد غيرهذا ، فخلعه وأنا أنظر إليه وإلى جسده ، هل به أثر السيف؟ فوالله كأنه العاج الذي مسته صفرة ، وما به أثر.
قال : فبكى المأمون بكاء طويلا وقال : ما بقي مع هذا شيء ، إن هذا لعبرة للأولين والاخرين ، وقال : يا ياسر ، أما ركوبي إليه وأخذي السيف ودخولي عليه فإني ذاكر له ولخروجي عنه ، ولست أذكر شيئا غيره ، ولا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي ، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟ لعن الله هذه الابنة لعناً وبيلاً ، تقدم إليها وقل لها : يقول لك أبوك : والله لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت ، أو خرجت بغير إذنه ، لأنتقمن له منك ، ثم سر إلى ابن الرضا عليهالسلام وأبلغه عني السلام ، واحمل عليه عشرين ألف دينار ، وقدم إليه الشهري (١) الذي ركبته البارحة ، (ثم مر بعد ذلك الهاشميين) (٢) ، أن يدخلوا عليه بالسلام ، ويسلموا عليه.
قال ياسر : فأمرت لهم بذلك ، ودخلت أنا ـ أيضاً ـ معهم عليه وسلمت وأبلغت التسليم ، ووضعت المال بين يديه ، وعرضت الشهري فنظر إليه (٣) ساعة ، ثم تبسم فقال : يا ياسر ، هكذا كان العهد بيننا وبين أبي وبينه ، حتى يهجم علي بالسيف ، أما علم ان لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه؟ فقلت : يا سيدي ـ يا ابن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله (٤) ما كان يعقل شيئا من أمره ، وما علم أين هو من أرض الله؟ وقد نذر لله نذراً صادقاً وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً ، فإن ذلك من حبائل الشيطان ، فإذا أنت ـ يا ابن رسول الله ـ أتيته فلا تذكر له شيئاً ولا تعاقبه على ما كان منه. فقال عليهالسلام : هكذا كان عزمي ورأيي والله.
ثم دعا بثيابه ولبس ونهض ، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون ،
__________________
(١) الشهرية : ضرب من البراذين ، وهو بين البرذون والمقرف من الخيل «لسان العرب ـ شهر ـ ٤ : ٤٣٣».
(٢) في «ش» : تم من بعد ذلك أمر الهاشميين.
(٣) في «ش» : إلي.
(٤) في «ط» زيادة : دع عنك هذا العتاب فوالله.