وفيه تعريض بحكام الامويين الذين اتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، وان القلوب قد بلغت الحناجر ، من ظلمهم وجورهم حسبما يقول (ع).
وكان الامام أبو جعفر (ع) اذا حج البيت الحرام انقطع الى الله واناب إليه وتظهر عليه آثار الخشوع والطاعة ، وقد روى مولاه أفلح قال : حججت مع أبي جعفر محمد الباقر فلما دخل الى المسجد رفع صوته بالبكاء فقلت له :
« بأبي أنت وأمي إن الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك قليلا. »
فلم يعن به الامام وراح يقول له :
« ويحك يا أفلح اني ارفع صوتي بالبكاء لعل الله ينظر إلي برحمة فافوز بها غدا .. »
ثم انه طاف بالبيت ، وجاء حتى ركع خلف المقام ، فلما فرغ واذا بموضع سجوده قد ابتل من دموع عينيه (٣٤) وحج (ع) مرة وقد احتف به الحجاج ، وازدحموا عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم ، والامام يجيبهم ، وبهر الناس من سعة علومه ، وأخذ بعضهم يسأل بعضا عنه فأنبرى إليهم شخص من اصحابه فعرفه لهم قائلا :
« إلا ان هذا باقر علم الرسل ، وهذا مبين السبل ، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة ، هذا ابن فاطمة الغراء العذراء الزهراء ، هذا بقية الله في أرضه ، هذا ناموس الدهر ، هذا ابن محمد وخديجة
__________________
(٣٤) صفة الصفوة ٢ / ٦٣ ، تأريخ ابن عساكر ٥١ / ٤٤ ، مرآة الزمان ٥ / ٧٩ نور الابصار ( ص ١٣٠ ).