ودللت هذه الوصية الرائعة الحافلة بجواهر الحكم على امامة الامام أبي جعفر (ع) واضاءت جانبا كبيرا من مواهبه وعبقرياته ، ولو لم تكن له إلا هذه الوصية لكفت في الاستدلال على عظمته وما يملكه من طاقات علمية لا تحد ، لقد نظر الامام العظيم الى اعماق النفوس ، وسبر اغوارها وحلل ابعادها ، وعرف ما ابتلي به الانسان من الأمراض والآفات لقد ابتلي الانسان بالجهل والغرور والكبرياء والجشع والطمع ، وطول الأمل وغير ذلك مما يدفعه الى الاغراق في المعاصي واقتراف الآثام والانحراف عن طريق الحق ، وعدم الاستقامة في سلوكه ، درس الامام (ع) هذه الأمراض فوضع لها العلاج الحاسم ، ووصف لها الدواء السليم الذي يقضي على جراثيمها ، واذا اخذ الانسان بهذه الوصفة فانه يعود انسانا مثاليا مهذبا ، قد صان نفسه ، واتصل بخالقه الذي إليه مرجعه ومآله ، ولو لا خوف الاطالة لشرحنا بنودها شرحا مفصلا ، ودللنا على ما فيها من الحكم والأسرار.
وفد عليه رجل من المسلمين وطلب منه أن يمنحه بوصية يسير على ضوئها فقال (ع) له :
« هيئ جهازك ، وقدم زادك ، وكن وصي نفسك. » (٣٧٤)
لقد دله على ما يقربه الى الله زلفى ، وما يضمن له السلامة في دار البقاء والخلود ، ان الانسان اذا هيئ جهازه وقدم زاده كان على سلامة من دينه ، وضمان آخرته.
__________________
(٣٧٤) تاريخ دمشق ٥١ / ٣٨.