الأحكام الترخيصية لا محالة ، فتقييد كل من الإطلاقين مستلزم للتصرف في جزء مدلول الآخر ، ومعه لا مرجح لأحدهما على الآخر (١).
أقول : أما المناقشة الأولى : فيمكن دفعها بأنه إن أريد ان تقديم أحد الظهورين على الآخر لا بد وأن يكون بملاك القرينية والجمع العرفي ، فهذه الكبرى لم يظهر من كلام المحقق النائيني ـ قده ـ في المقام إنكارها ، وإنما الظاهر أنه يحاول دعوى تقديم المطلق الشمولي على البدلي باعتباره واجداً لأحد ملاكات القرينية على ما سوف نشير إليه.
وإن أريد إنكار الصغرى وأن مجرد الشمولية لا يحقق القرينية فهذا ما يحتاج إلى بحث ونظر في وجه القرينية الّذي يحاوله المحقق النائيني ـ قده ـ.
وأما المناقشة الثانية ، فيمكن دفعها أيضا بأنّا لو سلمنا دلالة المطلق على أحكام ترخيصية شمولية فهي دلالة عقلية وليست ظهوراً لفظياً في الخطاب ، وهذا بخلاف شمولية الدليل الشمولي فإنها دلالة عرفية ومدّعي التقديم إنما يقول بتقديم ما يكون مدلوله العرفي شمولياً على ما يكون مدلوله العرفي بدلياً.
والتحقيق ان يقال : إن الشمولية والبدلية ليستا من شئون الإطلاق ومقدمات الحكمة فإن مقدمات الحكمة لا تقتضي إلاّ مطلباً واحداً دائماً في جميع المقامات ، وهو أن ما أخذ موضوعاً للحكم في مقام الإثبات ـ وهو الطبيعة ـ تمام الموضوع له ثبوتاً وأما الشمولية والبدلية أي كون الحكم بنحو صرف الوجود أو مطلق الوجود فيستفاد من دال آخر وبنكتة أخرى عقلية أو لفظية ، على ما حققنا ذلك مفصلاً في أبحاث الأوامر.
والمعارضة بين المطلق الشمولي والبدلي ليس بلحاظ الشمولية والبدلية فيهما وإنما بين الإطلاق من طرف ومجموع الإطلاق والشمولية في الطرف الآخر ، إلاّ أنه باعتبار صراحة الدال على الشمولية بحيث لا يحتمل عرفاً
__________________
(١) نقل بتصرف عن مصباح الأصول ص ٣٧٨.