الجدية من لفظ العام بالمقدار الّذي يكون مشمولاً له ، وكلاهما في مرتبة واحدة (١).
والتحقيق : أن هذا الكلام ليس جواباً على هذه الشبهة وإنما هو جواب على شبهة أخرى وقع الخلط بينهما. وتوضيح ذلك : أن حديث نظر الخطابات الشرعية إلى زمان واحد ـ وهو زمان التشريع ـ يثبت أن زمان مدلول الخطابات كلها واحد وليس كل خطاب يشرع به حكم جديد من حين صدور الخطاب وبهذا يتم الجواب على شبهة أخرى تورد في عكس مسألتنا ، وهو ما إذا ورد خاص متقدم على عامه ، حيث يشكل على تخصيص العام به : بأن النسبة بينهما عموم من وجه ، لأن الخاصّ يشمل الأفراد في الزمن قبل مجيء العام بخلاف العام فلا تكون النسبة العموم والخصوص المطلق بل من وجه. فيكون الجواب بالالتفات إلى النكتة التي أبرزها السيد الأستاذ في المقام ، فإنه إذا كانت الخطابات كلها تكشف عن أحكام ثابتة ومشرّعة في زمن واحد فالنسبة بينهما لا تختلف ، سواء تقدم العام أو الخاصّ.
إلاّ أن هذه النكتة أجنبية عن الشبهة المثارة في هذا البحث ، لأن جهة الإشكال أن العام لا يبقى حجة بعد المخصص الأول إلاّ في الباقي ، وكون الخطاب يكشف عن أحكام مشرعة في زمان واحد لا يجعل الخاصّ الثاني حجة قبل وروده ، بل الحجة قبله هي العموم ، فإذا كان الميزان في التخصيص ملاحظة النسبة بين المقدار الحجة من كل دليل ـ كما هو مبنى انقلاب النسبة ـ فلا محالة تكون النسبة بين المقدار الحجة من العام حين مجيء المخصص الثاني العموم من وجه ، فالإجابة على هذه الشبهة لا بد وأن تكون بتوحيد زمان الدال والحجة لا الدال والمدلول ، كما هو واضح.
والصحيح في الجواب : أن تحكيم المخصص على العام وتخصيصه به في
__________________
(١) مصباح الأصول ص ٣٩٣.