طبيعة تشريعات القرآن ومزاج أحكامه العام لم يكن حجة. وليس المراد المخالفة والموافقة المضمونية الحدية مع آياته. فمثلاً لو وردت رواية في ذم طائفة من الناس وبيان خستهم في الخلق أو أنهم قسم من الجن ، قلنا أن هذا مخالف مع الكتاب الصريح في وحدة البشرية جنساً وحسباً ومساواتهم في الإنسانية ومسئولياتها مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم. وأما مجيء رواية تدل على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلاً فهي ليست مخالفة مع القرآن الكريم وما فيه من الحث على التوجه إلى الله والتقرب منه عند كل مناسبة وفي كل زمان ومكان. وهذا يعني أن الدلالة الظنية المتضمنة للأحكام الفرعية فيما إذا لم تكن مخالفة لأصل الدلالة القرآنية الواضحة تكون بشكل عام موافقة مع الكتاب وروح تشريعاته العامة ، خصوصاً إذا ثبتت حجيتها بالكتاب نفسه.
ومما يعزز هذا الفهم ، مضافاً إلى أن هذا المعنى هو مقتضى طبيعة الوضع العام للأئمة المعصومين عليهمالسلام ودورهم في مقام بيان الأحكام الأمر الّذي كان واضحاً لدى المتشرعة ورواة هذه الأحاديث أنفسهم والّذي على أساسه أمروا بالتفقه في الدين والاطلاع على تفاصيله وجزئياته التي لا يمكن معرفتها من القرآن الكريم ، مما يشكل قرينة متصلة بهذه الأحاديث تصرفها إلى إرادة هذا المعنى. ما نجده في بعضها من قوله ( إن وجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من الكتاب ) فإن التعبير بالشاهد الّذي يكون بحسب ظاهره أعم من الموافق بالمعنى الحرفي ، مع عدم الاقتصار على شاهد واحد خير قرينة على أن المراد وجود الأمثال والنّظائر لا الموافقة الحدية.
وقد جاء هذا المعنى في رواية الحسن بن الجهم عن العبد الصالح : « قَال : إذَا جَاءكَ الحَدِيثَانِ المُختَلَفَانِ فَقسهُمَا عَلى كِتَابِ اللهِ وَأحَادِيثِنا فَإن أشبَهَهَا فَهُوَ حَقّ وإن لَم يُشبِههَا فَهُوَ بَاطِلٌ » (١).
__________________
(١) جامع أحاديث الشيعة المجلد الأول ، ص ٦٤.