أن العملية كانت تمارس في كثير من الأحيان عن طريق دس الحديث الموضوع في كتب الموثوقين من أصحاب الأئمة عليهمالسلام كما تشير إليه رواية يونس بن عبد الرحمن ، فربما كان بعض ما نجده في كتب الأحاديث اليوم من الروايات المتعارضة المختلفة هو من بقايا ذلك التشويه والدس الّذي وقع فيها في تلك العصور. هذه هي أهم العوامل التي يمكن أن تذكر لتبرير حالات التعارض التي قد يواجهها الفقيه فيما بين الأحاديث الصادرة عن الأئمة عليهمالسلام.
وينبغي أن لا ننسى بعد كل ذلك ، أن جملة كثيرة من الأحاديث ، بل الأصول والكتب التي صنفها أصحاب الأئمة عليهمالسلام ، قد ضاعت وذهبت إدراج الرياح في تلك الفترة المظلمة من أيام هذه الطائفة ، ولم تصل إلينا منها ألاّ بعض أسمائها أو أسماء أصحابها ، كما هو واضح عند من راجع ، كتب الرّجال وتراجم المصنّفين وأصحاب الأصول من أصحاب الأئمة عليهمالسلام. ولعل ما تحدثنا عنه قبل قليل من نشوء حركة الدس والتزوير بين أحاديث أصحاب أئمتنا عليهمالسلام ، وما حصل من التحفظ والتثبت بعد ذلك من قبل العلماء في مجال نقل تلك الأحاديث وروايتها ، وانفتاح باب التشكيك والجرح والتعديل في رواة الأحاديث وأصحاب المصنفات ، كان له الدور البالغ ، علاوة على العوامل التأريخية والظروف الخارجية الأخرى ، في ضياع ذلك الجزء الكبير من تراثنا وأحاديث أئمتنا عليهمالسلام.
ومن الطبيعي هنالك ، أن يكون قد خفي علينا أيضا في ضمن ما خفي وضاع ، الكثير من الروايات التي لو كانت بأيدينا اليوم لاستطعنا أن نعالج في ضوئها أكثر حالات التعارض الموجودة في الأحاديث ، باعتبار احتوائها على ما يصلح لأن يكون قرينة على المراد وشاهداً للجمع العرفي ورفع التعارض بين الروايات المتعارضة.