ولا إشكال في ترتب الحكم على لفظ المكره بحق بعد أن جعله الشارع من الأسباب ، من غير فرق بين العقود والإيقاعات وغيرها ، كالإسلام الحاصل من التلفظ بالشهادتين ولو إكراها ، لكن في المسالك « لا يخلو ذلك من غموض من جهة المعنى وإن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فما بعده ، لأن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عما في الضمير منزلة الإقرار ، والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب ، لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة المسلمين والاطلاع على دينهم يوجب له التصديق القلبي تدريجا فيكون الإقرار اللساني سببا في التصديق القلبي » قلت : قد يقال إن ظاهر الأدلة الحكم بإسلام قائلهما ما لم يعلم كذبه ، فالمنافق المعلوم حاله لا إشكال في كفره ، نعم لا عبرة بالظاهر المزبور ، إذ يمكن مقارنة الإسلام واقعا للإكراه الظاهري ، بل يمكن صيرورته داعيا له في الواقع ، وحينئذ فلا غموض ، ودعوى تنزيلهما منزلة الإقرار بالنسبة إلى ذلك ممنوعة ، نعم هي سبب شرعي في الحكم بالإسلام وحقن المال والدم ما لم يعلم مخالفة باطن قائلها.
ثم لا يخفى عليك أن لفظ المكره كغيره من الألفاظ يراد به المحمول على المكروه له واقعا ، ولكن اكتفي في تحققه بظاهر الحال المستفاد من تعقب الفعل للتهديد ، فلو فرض حصول ما يرفع الظهور المزبور منه حكم بصحة الطلاق ، للعمومات بناء على أن الكراهة مانع ولم يتحقق ، أو حصول ما يظهر منه الاختيار بناء على أنه الشرط ، ويكفي في الحكم بتحققه ظهوره ، وعلى كل حال فقد ذكروا أن من ذلك ما إذا خالف المكره وأتى بغير ما حمله عليه ، فان مخالفته له تشعر بالاختيار أو ترفع ظهور الكراهة ، وله صور :
منها أن يكرهه على طلقة واحدة فيطلق ثلاثا ، فإنه يشعر برغبته واتساع صدره له حتى الاولى ، فيقع الجميع ، مع احتمال وقوع الأخيرتين دون الأولى التي لا معارض لمقتضى الإكراه فيها ، ولو أوقع الثلاث بصيغة واحدة وكان ممن معتقد وقوع الواحدة بها فهو كمن أوقعها واحدة ، وإن كان ممن يعتقد وقوعها ثلاثا