فيه مقام المخاطبة ، نعم في المثال الثالث لا إشكال في جوازه كذبا بلا تورية في صورة الإكراه ، بل وفي المصلحة التي يسوغ معها الكذب وإن كان الأولى مع ذلك قصد التورية.
أما بدونها ففي جواز التورية والخروج بها عن إثم الكذب والحلف كاذبا وعدمه قولان ، قد يظهر الثاني منهما مما تقدم للمصنف ومن قوله أيضا ولو اضطر إلى الإجابة بنعم فقال : « نعم » وعنى الإبل أو قال : « نعام » وعنى نعام البر قصدا للتخلص لم يأثم من حيث تقييد ذلك بالاضطرار ، ولعله لصدق الكذب عرفا معها في المحاورات ، إذ اللفظ محمول على حقيقته المتبادرة ، وكذا مجازه المقترن بقرائن الأحوال والمقال.
وقيل بالأول أي جواز التورية مطلقا ما لم يكن ظالما ، لأن العدول عن الحقيقة سائغ والقصد مخصص ، بل في المسالك « وهذا هو الأظهر لكن ينبغي قصره على وجه المصلحة ، كما يروى عن بعض السلف الصالح أنه كان إذا ناداه أحد ولا يريد الاجتماع به يقول لجاريته : قولي له : اطلبه في المسجد ، وكان آخر يخط دائرة في الأرض ، ويضع فيها إصبع الجارية ، ويقول لها : قولي له : ليس هنا واقصدي داخل الدائرة ».
قلت : وربما يؤيده ما في بعض النصوص من التعجب ممن يكذب مع أن الكلام له وجوه ، وفي آخر (١) إن الصادق عليهالسلام في حديث طويل قال لأبي حنيفة عند تفسير رؤيا قصت عليه بمحضر منه : « أصبت يا أبا حنيفة ، ثم لما قام فسره الامام بخلاف ما ذكره أبو حنيفة ، فسئل عن قول أصبت ، فقال : إنما أردت أصبت عين الخطاء ».
ولكن الأولى بل الأقوى الاقتصار في الجائز منها مطلقا على ما لا يقتضي صدق الكذب معه عرفا مما ينشأ من فهم السامع وتخيله القرائن الدالة على ذلك ، نحو
__________________
(١) روضة الكافي ص ٢٩٢ ط طهران ١٣٨٩.