الجواب عن هذه يتوقف على تحقيق مقدمة ، وهي أن الأحكام المتضادة قد تجتمع في فعل واحد باعتبارين متغايرين ، ولا يكون في ذلك محال لاختلاف الاعتبار ، فان تناول الميتة حرام وقد يصير واجبا عند المخصمة ، وكما في إنقاذ الغرقى إذا اشتمل على الإفطار ، وهو كثير النظائر ، وأقواها مناسبة لما نحن فيه وجوب الخروج على من توسط أرضا مغصوبة.
فاذا تمهدت هذه المقدمة فنقول : تخليص النبي عليهالسلام أو الرجل الصالح واجب والكذب قبيح ، فاذا اجتمعا وجب سلوك الاولى من الفعلين ، ولا يؤثر ذلك في تحسين الآخر وتقبيحه. والأصل فيه أن الفعل إذا اشتمل على وجه مصلحة ووجه مفسدة ، فلو كان وجه المصلحة أقوى وجب فعله لقضاء العقل بأن ترك الخير الكثير لأجل شر قليل شر كثير وفعله خير كثير ، فتعين فعله (١).
مسألة (٨٧)
ما يقول سيدنا في قوله تعالى ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) (٢) ما وجه هذا الاستثناء ، وأي شيء نقل عن الأئمة عليهمالسلام فيه ، وأي شيء قاله المفسرون من أصحابنا وغيرهم. بين لنا ذلك بيانا شافيا لا زال عيشك صافيا وستر الله عليك كافيا.
__________________
(١) هذا لا يستقيم على مذهب من يجعل حسن الأشياء وقبحها لذواتها ، والاشكال انما هو على هذا المذهب.
(٢) سورة هود : ١٠٦ ـ ١٠٨.