وأمّا البحث في أنّ الباء في هذه الكلّية هل للسببيّة أو الظرفيّة لا أثر له بعد وضوح المراد ، وقد بيّنّا المراد ومفاد الكلّيتين. ولا شكّ في استعمال الباء في كلا المعنيين في الكتاب العزيز وفي كلام العرب الذين يستشهد بكلامهم على صحّة الاستعمال ، ولا ظهور في خصوص أحد المعنيين إلاّ بالقرينة ، وفي المقام يصحّ بكلا المعنيين.
أمّا الظرفية فواضح ، لأنّه بناء عليها يكون المعنى كلّ عقد أو إيقاع يكون في صحيحه ضمان ففي فاسده أيضا كذلك. وفي الكلّية السلبيّة أيضا كذلك ، أي يكون مفادها : كلّ ما ليس في صحيحة ضمان ففي فاسده أيضا ليس ضمان.
وأمّا السببيّة فليس المراد السبب التامّ ، أي العلّة التامّة بحيث يكون المؤثّر في الضمان هو العقد فقط ، ولا يكون لشيء آخر دخل فيه أصلا ، لأنّ مثل هذا المعنى لا يمكن الالتزام به حتّى في الصحيح فضلا عن الفاسد ، إذ لا شكّ في مدخليّة القبض فيه أيضا في الضمان لما تقرّر في محلّه من أنّ تلف المبيع بل الثمن أيضا قبل القبض من مال صاحبه الذي كان له قبل وقوع المعاملة ، فالعقد في الصحيح أيضا ليس تمام الموضوع لضمان كلّ واحد من المتعاملين لمال صاحبه ، بل الموضوع هو العقد مع القبض ، وفي الفاسد أيضا العقد باعتبار كونه مصداقا للإقدام مع القبض باعتبار كونه مصداقا لليد.
وأمّا ما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سرّه في هذا المقام من أنّ شرطيّة القبض لكون العقد سببا للضمان (١) لا ينافي استناد الضمان إلى العقد ، إن كان مراده أنّ شرطيّة القبض لا ينافي كون العقد تمام الموضوع وسببا تامّا للضمان فلا يخلو من غرابة. وإن كان مراده أنّها لا ينافي اقتضاء العقد للضمان ومدخليّته فيه فهذا شيء واضح ، ليس قابلا للإنكار.
ولكن الطرف يدّعى أنّ العقد الفاسد أيضا له تأثير ومدخلية في الضمان باعتبار كونه مصداقا للإقدام كما بيّنّا وتقدّم.
ثمَّ إنّ العموم في هذه الكليّة أصلا وعكسا ـ سواء كان الأصل كلّ عقد يضمن أو
__________________
(١) « منية الطالب » ج ١ ، ص ١٢٠.