أحدهما : جعل نفسه نائبا الذي قد يفعله تبرّعا ، وهذا أمر توصّلي يقع بأيّ داع كان ، وهذا الأمر يقع متعلّقا للإجارة ولا يلزم منه محذور أصلا.
والثاني : إتيان العمل الذي كان واجبا على المنوب عنه ، وهذا أمر عبادي لكن لم تقع الإجارة عليه ، فما وقعت الإجارة عليه ليس بعبادي ، وما هو عبادي لم تقع الإجارة عليه.
إن قلت : إذا كانت الإجارة على صرف جعل نفسه نائبا فيستحقّ الأجرة بصرف هذا الجعل ولو لم يعمل ، وإن كان يشمل العمل أيضا فيعود المحذور.
قلنا : الإجارة على صرف جعل نفسه نائبا ، لكن في إتيان العمل الفلاني ، ومعلوم أنّ تحقّق عنوان النيابة في العمل الفلاني مثل كونه نائبا عن شخص في الحجّ مثلا لا يمكن وغير معقول بدون وجود العمل الفلاني ، فوجود العمل الذي جعل نفسه نائبا عنه في إتيان ذلك العمل عنه مقدّمة لتحقّق عنوان النيابة التي استؤجر عليها ، لا أنّه بنفسه متعلّق للإجارة أو قيد لمتعلّقها.
قال الشيخ : الذي ينساق إليه النظر أنّ مقتضى القاعدة جواز أخذ الأجرة على كلّ عمل كان له منفعة محلّلة مقصودة للعقلاء ، وإن كان ذلك العمل واجبا على الأجير. ثمَّ قال رحمهالله : إنّ ذلك العمل بعد وقوعه متعلّقا للإجارة إمّا صالح لأن يمتثل به الواجب المذكور ، أو كان ممّا يسقط الواجب به أو عنده فقد حصل الأمران ، أي برأيه ذمّته عن الواجب واستحقاقه للأجرة ، وإلاّ يستحقّ الأجرة فقط ، ويبقى الواجب في ذمّته لو بقي له وقت يمكن إتيانه فيه ، أو كان ممّا له القضاء فيقضيه ، وإلاّ يكون متعاقبا على تركه وعصيانه عن عمد (١).
وبعبارة أخرى : صرف وجوب الشيء ليس بمانع عن أخذ الأجرة عليه ، بل هاهنا تفصيل وهو أنّ الواجب على الأجير إمّا من قبيل الواجب العيني التعييني ، أم لا.
__________________
(١) « المكاسب » ص ٦٣.