فهذه الأمور كلّها ، وأيضا كلّ ما يمكن به تحصيل بعض هذه الأمور مال ، غاية الأمر أنّ نفس هذه الأمور أموال تكوينيّة ليست ماليّتها بجعل في عالم الاعتبار.
وما يحصل به أحد هذه الأمور قد يكون مالا تكوينا وذلك كالمبادلات الجنسيّة ، وقد يكون من الأموال الاعتبارية كالأوراق الماليّة الموجودة في هذه الأعصار ، فإنّها في حدّ نفسها ليست ممّا يستعمل في رفع حوائج الإنسان أو الحيوان ولكن بعد اعتبارها من ناحية من بيده الاعتبار يمكن تحصيل ما يرفع الحوائج بها ، وعليها الآن مدار المعاملات والمعاوضات في الأسواق.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ مدار مالية المال على أحد أمرين :
أحدهما : كون الشيء بحيث يرفع به إحدى حاجات الإنسان ولو كان علفا لدابّته ، أو بنزينا لسيّارته ، فضلا عن أن يكون مأكولا أو مشروبا أو ملبوسا لنفسه.
والثاني : أن يكون ممّا يحصل به أحد هذه الأمور كالأوراق الماليّة ، والنقود الذهبيّة ، والفضّية ، أو أحد هذه الأمور فيما إذا وقع عوضا في المعاملة لجنس آخر من هذه الأمور.
ومنه تعريف بعضهم البيع بمبادلة مال بمال ، وبهذا المعنى الثاني قد تكون ماليّة المال من الأمور الاعتباريّة وذلك كالأوراق الماليّة ، فهي بالاعتبار تصير مالا ، وكذلك تسقط ماليتها باعتبار آخر ممّن بيده الاعتبار.
فقوله تعالى ( الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (١) المراد بالمال المذكور في الآية الشريفة هو هذه الأمور التي تقضي بها الحوائج وأمور المعاش كلّها ـ كما ذكرنا ـ أو ما يمكن أن يحصّل تلك الأمور به. والمال بهذا المعنى مدار الغناء والفقر وجودا وعدما.
وأمّا تعريفه كما صدر عن بعضهم بأنّه ما يبذل بإزائه المال ، فهو تعريف لفظي ، وإلاّ ففيه دور واضح.
__________________
(١) الكهف (١٨) : ٤٦.