والأمثلة لهذا القسم من الإتلاف أي إتلاف الماليّة دون نفس المال كثيرة.
والظاهر من إتلاف المال ـ سواء كان بعبارة « من أتلف مال الغير » كما هو معقد الاتفاق والإجماع ، أو كان هو بعبارة « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ـ هو المعنى الأوّل ، أي إفناء نفس المال لا إفناء ماليّته ، وبناء على هذا المعنى فالضمان في موارد إفناء المالية دون نفس المال يحتاج إلى التماس دليل آخر.
ويكفي في الحكم بالضمان في موارد إفناء الماليّة دون نفس المال قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) بالتقريب الذي تقدّم.
وأمّا المراد من « المال » فالظاهر هو أنّ كلّ شيء يكون مطلوبا ومرغوبا عند الناس لأجل قضاء حوائجهم به ، ويكون دخيلا في معاشهم من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمساكن والمراكب والأشياء التي يتزيّنون بها ، أو شيء يحصل مطلوبهم به كالنقود ، سواء كانت من ذهب أو فضّة أو يكون من جنس آخر ، فهو المال.
والحاصل : أنّ « المال » عبارة عن كل شيء يكون للناس احتياج إليه في تدبير أمورهم في حياتهم وعيشتهم ، في حال صحّتهم ومرضهم بل في حال موتهم ، فالأدوية التي يعالج بها المريض مال عند العرف والعقلاء ، والمعول (١) الذي يحتاجون إليه في دفن موتاهم مال ، وأقسام النقود التي يحصلون بها ما يحتاجون إليه مال.
والمال بهذا المعنى قد يكون من قبيل الجواهر الموجودة مستقلا ولا في الموضوع ، وذلك مثل كلية الأجسام التي تستعمل في رفع الحاجات كما أشرنا إلى بعضها ، وقد يكون من قبيل العوارض كركوب الدابّة ، وسكنى الدار ، والتزيّن بالذهب والفضة والأحجار الكريمة ، أو غيرها.
ويسمّى هذا القسم في اصطلاح الفقهاء تبعا للإطلاقات العرفيّة بـ « المنافع » ، فالمنافع أيضا مال.
__________________
(١) المعول ج معاول : اداة لحفر الأرض.