وإن شئت قلت : سماع دعوى الذي لا يعلم ما يدّعيه إلاّ من قبله إنّما يكون فيما إذا لم يظهر المدّعي خلاف ما يدّعيه وما ينافي دعواه ، فلو أقرّ على خلاف ما يدّعيه ، أو كان ظاهر كلامه خلاف ما يدّعيه ، فلا يسمع دعواه ، وإن كان ما يدّعيه لا يعلم إلاّ من قبله.
وذلك من جهة أنّ إقراره أو ظاهر كلامه حجّة عليه فيما إذا كان على ضرره ، فإذا أقرّ بأنّه غنيّ وليس بفقير ، أو أقرّت واعترفت بانقضاء العدّة ، أو كان ظاهر كلامه ذلك ، فلا يسمع دعواه ، لأنّه من قبيل الإنكار بعد الإقرار ، وبإقراره أو ظاهر كلامه علم من قبله بالحجّة ، فدعواه يكون معلوم البطلان شرعا.
فلو قال وادّعى عدم القصد في المعاملة الفلانيّة أو ادّعت عدم القصد في عقد النكاح مثلا ، أو غير ذلك من العقود والإيقاعات ، كالطلاق أو الجعالة مثلا ، فلا تقبل دعواه ، وإن كانت الدعوى ممّا لا يعلم إلاّ من قبله ، أو وإن كانت ممّا يتعذّر الإشهاد عليه ، لأنّ ظاهر كلامه حجّة عليه ، فهو بدعواه هذه يكذب نفسه.
والحاصل : أنّه علم شرعا خلاف ما يدّعيه من قبل نفسه ، فلا يتعذّر الإشهاد فخرج عن موضوع هذا الحكم خروجا تعبديا.
إن قلت : أليس إنّهم يقولون بسماع دعوى الزوج عدم القصد إلى الطلاق حقيقة في الطلاق الرجعي في العدّة ، مع أنّ ظاهر صيغة الطلاق مخالف لهذه الدعوى؟
قلت : هذا من جهة أنّها ما دامت في العدّة له الرجوع ، وليس للمرأة أن يعارضها ، لقوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (١) بل ربما يقال : إنّها ما دامت في العدّة حقيقة زوجة ، فليس هذا المورد من باب المدّعي والمنكر ، بل هذا من حقوق نفسه بدون مقابل يعترض عليه ويلزمه بظاهر كلامه.
نعم لو كانت هذه الدعوى بعد انقضاء العدّة لا يسمع دعوى عدم القصد إلى
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٢٨.