العمل بالالتزام الثاني ، فإذا تخلّف أو تعذّر فلا يجب الوفاء كي يكون لازما ، بل هو مخيّر بين أن يعمل بالتزامه العقدي ـ والمبادلة التي وقعت ـ وأن لا يعمل. وهذا معنى الخيار.
وبعبارة أخرى : وجوب الوفاء الذي هو منشأ اعتبار اللزوم موضوعه العقد المشروط ، أو العوض والمعوّض الموصوف بكذا ، فعند تخلّف الشرط أو الوصف لا يشمله دليل وجوب الوفاء ، فيكون مخيّرا. وهذا هو الخيار ، ولا وجه لبطلان العقد.
الثالث : أنّ التراضي وقع بين العوضين مبنيّا على العمل بالشرط المذكور قبل العقد الذي تواطيا عليه ، فبدون العمل بذلك الشرط يكون أكلا للمال بالباطل ، فيجب العمل على طبق تبانيهما وتواطئهما ، ويلزم الوفاء به لكي لا يكون أكلا للمال بالباطل.
وفيه أوّلا : لو صحّ هذا الكلام فمقتضاه بطلان العقد ؛ لأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.
وثانيا : هو أنّ الرضا المعاملي غير الرضا بمعنى طيب النفس ، ففي بيع المضطرّ ليس طيب النفس مع أنّه صحيح ، فالمراد من قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (١) هو أن لا تكون المبادلة بين العوضين بإكراه أو إجبار ، وفيما نحن فيه لا شكّ أنّه لا إكراه ولا إجبار ، والمبادلة بين المالين وقعت برضاء منهما ، غاية الأمر حيث كان الالتزام بهذه المبادلة مبنيّا على ما تبانيا عليه ، فإذا لم يعمل الطرف بما تبانيا عليه ، فدليل وجوب الوفاء لا يشمله ، لأنّ موضوعه المبادلة المشروط ، فيكون له الخيار ، لا أن يكون أصل المبادلة باطل ، لأنّها وقعت باختيارهما ، والالتزام ـ بأن يقف عند هذه المبادلة ولا يحلّ ما عقد عليه ـ مشروط بوجود هذا الشرط أو هذا الوصف ، فإذا تخلّف أو تعذّر الشرط أو الوصف فلا ملزم له بالوقوف عند هذه المبادلة ، بل له حلّه وفسخه. وهذا معنى الخيار.
__________________
(١) النساء (٤) : ٢٨.