وفيه : أنّ هذه الرواية بإطلاقها معرض عنها عند الجميع ، مع أنّه من المحتمل جدّا أن يكون المراد من عدم القضاء للغائب ونفيها هو أن يكون القضاء بنحو البتّ ، بحيث لا يكون الغائب على حجّته.
مضافا إلى ما في سنده من الضعف ، لأنّ راويه أبو البختري وهب ابن وهب كان كذّابا ، بل قيل في حقّه إنّه من أكذب البريّة.
والمراد من أنّ الغائب على حجته هو أنّ له إذا قدم أو حضر الاعتراض على الحاكم بعدم كونه أهلا للحكم ، أو جرح شهود الحكم ، أو إقامة بيّنة معارضة لبيّنة المدّعي ، وأمثال ذلك ممّا يوجب عدم تأثير الحكم الصادر حال غيابه.
ثمَّ أنّه هل جواز الحكم على الغائب مخصوص بحقوق الناس ، أو يجوز الحكم عليه في حقوق الله أيضا ، كإقامة البيّنة على أنّه شرب الخمر ، أو زنى أو لاط مثلا؟
ذهب المشهور إلى الاختصاص لقاعدة درء الحدود بالشبهات ، فمن الممكن أن يكون للغائب ما يدرأ عنه الحدّ.
نعم لو كانت الدعوى ذات جهتين ـ كالسرقة ـ فهل يجوز مطلقا ، أو لا كذلك ، أو التفصيل والتفكيك بين الجهتين؟ فالجواز بالنسبة إلى جهة حقّ الناس والعدم بالنسبة إلى حقّ الله احتمالات :
والحقّ هو الأخير ، أي التفكيك بين حقّ الناس وحقّ الله في عالم الإثبات ، ففي مثل السرقة لو شهدت البيّنة على أنّه سرق المال الفلاني مع كونه غائبا ، فجواز الحكم عليه بالنسبة إلى غرمه للمال ، وأمّا بالنسبة إلى القطع فلا. أمّا الجواز بالنسبة إلى الغرم فللأدلّة الدالّة على جواز الحكم على الغائب ، وأمّا العدم بالنسبة إلى القطع فلما قلنا من أنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، وإنّ حقّ الله مبنيّ على التخفيف لغنائه تعالى عن استيفائه.