تنبيه
أثر مفطوريّتهم على معرفة الله تعالى وتوحيده ـ وقد دلّت عليها الروايات المتقدّمة ـ إنّما يظهر بعد هداية الله تعالى إيّاهم ببعث الرسل والأنبياء واستيدائهم الميثاق الذي واثقهم به في العوالم السابقة ونسوه ، كما في الخطبة المباركة : وابتعث فيهم رسله ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته (١). ولا سيما إذا أخذوا بالبأساء والضرّاء ، وأما قبل ذلك فهم على الضلال وعلى نسيان العهد والميثاق ما لم يذكروا بما فطروا عليه ، كما تدلّ عليه رواية العيّاشيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام في آية : ( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) (٢). قال : كان هذا قبل بعث نوح ، كانوا أمّة واحدة ، فبدا لله فأرسل الرسل قبل بعث نوح ، قيل : أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟ قال : بل كانوا ضلاّلا ، لا مؤمنين ، ولا كافرين ، ولا مشركين (٣).
وفي رواية أخرى قال : وذلك أنّه لما انقرض آدم وصالح ذريّته بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريّته. وذلك أنّ قابيل توعّده بالقتل كما قتل أخاه هابيل ، فسار فيهم بالتقية والكتمان ، فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لم يبق على الأرض معهم إلاّ من هو سلف ، ولحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله ، فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ... قلت : أفضلالا كانوا قبل النبيين أم على هدى؟ قال عليهالسلام : لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله ، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله ، أما تسمع يقول إبراهيم عليهالسلام : ( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) (٤). أي ناسيا للميثاق (٥).
وعن العلل عنه عليهالسلام : إنّ الله عزّ وجلّ خلق الناس على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ، ثمّ ابتعث الله الرسل إليهم يدعونهم إلى الإيمان
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ١.
(٢) البقرة ٢١٣.
(٣) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٠٤ ، تفسير البرهان ١ : ٢١٠.
(٤) الأنعام ٧٧.
(٥) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٠٤ ، تفسير البرهان ١ : ٢١٠.