لم يكونوا في مقام الهداية والتعليم ، بل كانوا في مقام الإلغاز الموجب للضلالة ، جلّت ساحة قدسهم عن ذلك.
وعمدة ما أوقع بعض الأكابر في التشكيك فيه بل الإنكار شبهات أثارها بعض المذاهب الفلسفية ومقالاتهم في كيفية الخلقة ، وإلا فمن أمعن النظر في ما ورد عن الأئمّة صلوات الله عليهم في كيفية الخلقة لم يبق له أيّة شبهة في إمكان ما دلّت عليه الروايات المذكورة ، ويمنعه ذلك عن ردّ رواية واحدة ، فضلا عن ردّ جميعها ، بما لكثير منها من صحة السند ووضوح الدلالة ، كما مرّ. وستجيء خلاصة منها بعد ذكر الإشكالات والجواب عنها ، إن شاء الله تعالى.
ثبوت الطاعة والعصيان قبل هذه الدنيا
يظهر من بعض الروايات أنّه تعالى ابتلاهم أيضا واختبرهم في مبتدأ الخلق قبل ابتلائهم في هذه الدنيا ، بأن أجّج نارا فأمرهم بدخولها ، فدخل فيها قوم وصارت عليهم بردا وسلاما ، ولم يدخلها آخرون ، فرتّب الله تعالى على تلك الطاعة والعصيان آثارا في طينتهم وفطرتهم توجب التوفيق والخذلان في الدنيا.
ففي رواية زرارة عن أبي جعفر صلوات الله عليه : لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، فقال : إنّ الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي. وقال : كن ماء ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي. ثمّ أمرهما فامتزجا. فمن ذلك صار يلد المؤمن كافرا ، والكافر مؤمنا. ثم أخذ طين آدم من أديم الأرض فعركه عركا شديدا ، فإذا هم في الذرّ يدبّون ، فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام ، وقال لأصحاب النار : إلى النار ولا أبالي. ثم أمر نارا فاسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها ، فقال : كوني بردا وسلاما ، فكانت بردا وسلاما ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية ،