عزّ وجلّ : ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) (١).
أقول : الظاهر أنّ هذا الفعل من الله تعالى كان قبل التكليف بدخولهم في النار بتوسّط كلمته التي يتصوّر منها اليمين والشمال. ويمكن أن يكون وجه التسمية شيئا آخر ، لما في بعض الروايات : وكلتا يديه يمين (٢).
وفي رواية ابن اذينة عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كنّا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا فقلنا : فيه حدّة ، فقال : من علامة المؤمن أن تكون فيه حدّة ، قال : فقلنا له : إنّ عامّة أصحابنا فيهم حدّة ، فقال : إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم ، أمر أصحاب اليمين ـ وأنتم هم ـ أن يدخلوا النار فدخلوها ، فأصابهم وهج ، فالحدّة من ذلك الوهج ، وأمر أصحاب الشمال ـ وهم مخالفوهم ـ أن يدخلوا النار فلم يفعلوا ، فمن ثمّ لهم سمت ، ولهم وقار (٣).
عدم رجوع المعرفة الفطرية إلى المعرفة بالآيات
في رواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قوله : فعرّفهم وأراهم صنعه ، ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه ... (٤). لعلّ المراد من قوله عليهالسلام : « أراهم صنعه » أي أراهم معرفته التي هي صنعه تعالى. فلا دلالة فيه على أنّ هذه المعرفة كانت من طريق الآيات والمصنوعات بأنّ كل مصنوع لا بدّ له من صانع. فما عن بعض من إرجاع المعرفة الفطرية إلى مجرّد المفطورية على الإقرار بالصانع من باب حكم العقل ممنوع ، لأنّ نتيجة الاستدلال بالآيات ـ كما مرّ ـ إثبات وجود صانع جامع للكمالات ، منزّه عما لا يليق به على النحو الكلّي ، وأمّا وجدانه من غير تصور ولا مجال استدلال على وجه يدعوه ويأنس به ويتضرّع إليه ، ويجده قريبا سميعا بصيرا قادرا رءوفا رحيما ، كما هو ظاهر لمن وجده في البأساء والضرّاء فلا يقتضي الاستدلال ذلك.
__________________
(١) يس : ٧٠ ـ البحار ٦٧ : ٨٧ ، عن الكافي.
(٢) البحار ٥ : ٢٣٧ ، عن تفسير القمّيّ.
(٣) البحار ٥ : ٢٤١ ، عن علل الشرائع.
(٤) راجع ص ١١٣. ولفظ الرواية ـ كما في الكافي ـ : ... وأراهم نفسه ... ، وعليه فلا وجه للتوهّم المذكور.