تنبيه : استغناء نور العلم في كشفه عن وجود المعلوم
من كمال نور العلم أنّه لا يحتاج في كاشفيته إلى وجود المعلوم ، بل إنّه يكشف الامور الماضية والمستقبلة والتقديريّات مع أنّه لا وجود لها في زمان الحال ، وكذا يكشف العدم المضاف في ظرف واقعيته ، ويكشف العدم المضاف في ظرف واقعية نقيضه ، وهو الوجود المضاف مع أنّه لا واقعية له بوجه ، وإلاّ فإنّه يلزم اجتماع النقيضين ، ولذا يخبر بالخبر الصادق عن نقيض الوجود في ظرف الوجود في قولنا : هذا ونقيضه لا يجتمعان ، مع عدم الواقعية لنقيض الوجود الخاصّ في ظرف هذا الوجود الخاص.
وكذا يكشف العدم المطلق مع أنّه لا واقعية له بوجه من الوجوه في ظرف الوجود.
وذلك كلّه لاستغناء العلم في كاشفيته عن وجود المعلوم. وبعبارة أخرى : إنّه كاشف عن الواقعيات ، موجودة كانت أو معدومة ، وجودا أو عدما ، مضافا أو مطلقا ، ولذا يخبر عنها وبها بما لها من الواقعية.
وحصول ذلك لنا في مورد أو موارد دائر مدار إذن الحق المتعالي في وجداننا مراتب العلم.
وأمّا ذاته تعالى فحيث إنّه عين العلم فهو لا يزال كذلك ، أي علمه بالشيء قبل تحقّقه كعلمه به بعده.
ففي التوحيد بسنده عن ابن مسكان عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور. قال : قلت : فلم يزل الله متكلما؟ قال : إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزلية ، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلم (١).
قوله عليهالسلام : « وقع العلم على المعلوم » أي وقع العلم على ما كان كاشفا عنه قبل وجوده.
__________________
(١) التوحيد ١٣٩ ، وعنه البحار ٤ : ٧١.