ومنه تظهر قوة احتمال كون المراد من رواية أخرى في التوحيد بسنده عن حماد بن عيسى قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام فقلت : لم يزل الله يعلم؟ قال : أنّي يكون يعلم ولا معلوم؟! قال : قلت : فلم يزل الله يسمع؟ قال : أنّي يكون ذلك ولا مسموع؟! قال : قلت : فلم يزل يبصر؟! قال : أنّي يكون ذلك ولا مبصر؟! قال : ثم قال : لم يزل الله عليما سميعا بصيرا ، ذات علاّمة سميعة بصيرة (١) ، ـ كما أشار إليه العلاّمة المجلسيّ قدسسره ـ : السؤال عن العلم بوجود الشيء وحضوره ، بأن يكون المعلوم حاضرا موجودا ، مع أنّه لم يوجد بعد ، فنفى عليهالسلام خصوص ذلك ، كما يؤيّده أنّه ـ عليهالسلام ـ أثبت كونه تعالى متّصفا بالعلم أزلا مع أنّه لا وجود للمعلوم ولا حضور.
وكذلك الكلام في السمع والبصر بعد وضوح كون المراد بالنسبة إليه تعالى العلم بالمسموعات والمبصرات بذاته لا بالآلة. وحاصله أن المراد من أنّه يسمع إن كان أنّه يسمع الصوت الموجود خارجا فظاهر أنّه منفي بانتفاء الموضوع ، كما دلت عليه الرواية ، وقوله : ( وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ ... ) (٢). ومفهوم قوله تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ) (٣) وإن كان المراد العلم بالصوت قبل تحقق الصوت فهو ثابت ، كما دلّ عليه ذيل الرواية ، وكذا رواية أبي بصير.
ومما يدلّ على المطلب ما أورده العلاّمة المجلسيّ ـ قدسسره ـ في باب العلم وكيفيته من الآيات والروايات في المجلد الثاني من بحار الأنوار (٤).
منها قوله تعالى : ( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ ) (٥).
وقوله تعالى : ( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ) (٦).
__________________
(١) التوحيد ١٣٩ ، وعنه البحار ٤ : ٧٢.
(٢) آل عمران ١٤٢.
(٣) الأنفال ٢٣.
(٤) من الطبعة الحجرية ، ويقابله في الطبعة الجديدة ٤ : ٧٤.
(٥) البقرة ٢٥٥.
(٦) الرعد ٨.