وعن موسى بن جعفر عليهالسلام في وصيّته لهشام : إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : ( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (١) ... ثم ذمّ الذين لا يعقلون فقال : ( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (٢). وقال : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) (٣) ... إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول ... ولا علم إلاّ من عالم ربّانيّ ، ومعرفة العالم بالعقل (٤).
وفي تفسير الإمام عليهالسلام في قصّة آدم وحواء : .... فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله إليهم : إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأمّا من جعلته ممكّنا مميّزا مختارا فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ... الخبر (٥).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : العقول أئمّة الأفكار (٦).
وعنه عليهالسلام : العقل شرع من داخل ، والشرع عقل من خارج (٧).
وبالجملة : التعبير بأنّه حجة الله وسائر ما ورد في تعظيمه ينافي التشكيك في حجّيّته واحتمال الخطاء في أحكامه ، أو التبعيض فيها بعد فرض إدراك العقل لها. وليس ذلك إلاّ من جهة عدم عرفان حقيقة العقل وأحكامه ، وتوهّم أنّ كل ما يحصّله الإنسان ويستنتجه من المقدّمات فهو حكم العقل.
فلا بدّ من التحقيق في هذين المقامين ، كما أشار إليه ما عن أبي عبد الله عليهالسلام : اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا ... وإنّما يدرك الحقّ بمعرفة العقل وجنوده ،
__________________
(١) الزمر ١٧ ، ١٨.
(٢) البقرة ١٧٠.
(٣) الانفال ٢٢.
(٤) تحف العقول ٣٨٣ ، وعنه البحار ١ : ١٣٢ ، ورواه في الكافي ١ : ١٣ بتفاوت.
(٥) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكرى عليهالسلام : ٢٢٣ ، وعنه البحار ١١ : ١٩١.
(٦) البحار ١ : ٩٦ ، عن كنز الفوائد.
(٧) مجمع البحرين ٥ : ٤٢٥.