فعليّة وكمال للنفس في استخراج النظريّات عن الضروريّات. وبعبارة أخرى : إذا وصلت النفس إلى حدّ حصل لها استخراج النظريّات من الضروريّات في جميع المطالب أو في كثير منها فإنّه يعبّر عنها بالعقل الفعلي أو بالفعل. وحكم العقل حينئذ ما يحصل له من النتيجة بسبب الاستخراج المذكور.
الرابعة : أن لا تحتاج في حصول تلك الصور الكليّة وارتسامها في النفس إلى استنتاج وفكر ونزع وتجريد ، بل تفاض عليها تلك الصور الكليّة بواسطة الاتصال بالعقل الفعّال الذي هو مخزن تلك الصور الكليّة ، لا بالفكر والتجريد.
هذا خلاصة ما ذكره بعض محقّقيهم في العقل ، وحاصلها أنّ العقل هو النفس بما لها المراتب الأربع.
فنقول : لا ننكر القوى المودعة في جسد الإنسان الحيّ ، ولا في النفس الإنسانيّة المعبّر عنها تارة بالنفس وأخرى بالروح ، وأخرى بالقلب ـ على أحد معنييهما ـ التي يعبّر عنها بـ « أنا » ، ولا ننكر أيضا القوى المودعة في طبيعة الحيوان ، ولا المودعة في الإنسان ، ولا المراتب الأربع المفروضة فيه.
ولا يهمّنا التعرّض لها والتحقيق فيها ، وإقامة الدليل على إثباتها أو نفيها. إلاّ أنّ الذي يهمّنا وينبغي التنبيه عليه هو أنّ حقيقة العقل الذي به تدرك المعقولات ، وحقيقة العلم الذي به تدرك المعلومات ، وبه يحتجّ الكتاب والسنّة أجنبيّ عن ذلك كلّه ، وعن حقيقة الإنسان المعبّر عنها بلفظ « أنا » ، وعن المراتب المذكورة لها. بل هو النور المتعالي عن ذلك كلّه.
والنفس وجميع قواها بجميع مراتبها ـ التي تصل إليها في كمالها ـ مظلمة محضة في ذاتها ، وفاقدة بذاتها لتلك الحقيقة النوريّة ، وصيرورتها عالما عاقلا إنّما هي بوجدانها لتلك الحقيقة ( أي العلم والعقل ) بما للوجدان من المراتب ، من غير أن تدخل النفس في حالة من الحالات في صقع تلك الحقيقة النوريّة ، أو تتنزّل تلك الحقيقة وتصير من مراتب النفس.
ولا تزال تلك الحقيقة النوريّة تكون هكذا بالنسبة إلى جميع الحقائق الخارجيّة