والباعثة هي التي إذا حصلت في الخيال صورة أمر مطلوب حصوله ، أو أمر مطلوب دفعه ، بعثت القوّة الفاعلة. ويعبّر عنها في الأوّل ( أي في حصول أمر مطلوب حصوله ) بالقوّة الشهويّة ، وفي الثاني ( أي في حصول أمر مطلوب دفعه ) بالقوّة الغضبيّة. والقوّة الفاعلة هي التي تحرّك آلات التحريك نحو العمل.
وعن بعضهم أنّ للنفس الإنسانيّة قوّتين تختصّان بها ، إحداهما ما يعبّر عنه بالعقل العملي ، والثانية ما يعبّر عنه بالعقل النظري. والعقل النظري ما يتهيّأ به لحصول المعقولات ، أي المفاهيم الكلّيّة بالفكر والنظر ممّا ليس من شأنه أن يعمل ، والعقل العملي ما من شأنه أن يعمله بإرادته.
قالوا : ما ترتسم فيه المفاهيم الكليّة هي النفس المجرّدة لا البدن ، بخلاف الامور الجزئيّة ، فعن المشهور أنّ محلّها البدن ، كما ذكرنا ( وعن كثير من المتأخّرين بل المشهور بينهم أنّها أيضا من شئون النفس وأطوارها ، قال السبزواري في منظومته : النفس في وحدتها كلّ القوى ) (١).
وقالوا أيضا : العقل له مراتب أربع : العقل الهيولائيّ ، والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل والعقل المستفاد. وتفصيلها أنّ النفس لها مراتب أربع عبّر عنها جميعا بالعقل :
الاولى : ما يسمّى بالعقل الهيولائيّ ، وهي قوّة استعداد انتزاع ماهيات الموجودات على النحو الكلّي.
الثانية : أن تصل إلى مرتبة حصول هذا الاستعداد وفعليّتها فيه ، ويعبّر عن تلك المرتبة بالعقل بالملكة ، أي حصلت له ملكة ، أي حالة راسخة يقتدر بها على تصوّر المفاهيم الكليّة.
الثالثة : أن تحصل لها تلك الامور فعلا ، أي ترتسم فيها فعلا المفاهيم الكليّة بالاستنتاج والنظر ، سواء كانت حاضرة في النفس ، أي مشهودة لها ، أو صارت بعد حصولها في النفس تحصل بأدنى التفات وقال بعضهم : النفس حينئذ تكون عقلا وعاقلا ومعقولا ، ويعبّر عن النفس في تلك المرتبة بالعقل بالفعل. والعقل النظريّ عندهم هو مقام
__________________
(١) شرح المنظومة ٣٠٩.