الجسم ونحو ذلك ، وقلّ من يخلو منهما. والجميع يموتون على ما كانوا عليه من الحالتين ، فلو لم تكن بعد هذه الحياة دار يجزون فيها بأعمالهم ويقتصّ فيها من الجاني ، ويجبر كسر المظلوم كان ذلك منافيا لعدل الخالق الذي وصف نفسه بالعدل ونفي الظلم.
وتوهّم عدم الحاجة إلى المعاد فيما إذا كان المؤمن المطيع في السعة ، والكافر أو العاصي في الضيق في هذه الدنيا ، مدفوع بأنّ المشهود أنّ الجزاء كثيرا ما لا يعطى ، وإن أعطي فإنّه لا يستوفى.
وأيضا كان منافيا لحكمة الخالق الذي وصف نفسه بالحكمة ، ووصف عمله بالتنزّه عن العبث. وقد نبّه على هذين الحكمين في القرآن العظيم بقوله تعالي :
( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (١).
( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) (٢).
( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٣).
( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ. وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٤).
( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٥).
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) (٦).
( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ) (٧).
__________________
(١) السجدة ١٨.
(٢) القلم ٣٥.
(٣) ص ٢٨.
(٤) الجاثية ٢١ ، ٢٢.
(٥) الزلزلة ٦ ـ ٨.
(٦) المؤمنون ١١٥.
(٧) طه ١٥.