حقيقة مظلمة عاجزة ذاتا ، وأنّ كمالاته التي لا تناسب المادّية إنّما هي بوجدانه لتلك الأنوار ، من غير أن يصير شيء منها داخلا في ذاته ، وأنّه في بقائه وبقاء كمالاته محتاج آنا فآنا إلى قيّومه ، وأنّ ذاته ونفسه المشار إليها بلفظ « أنا » زمانيّة مكانيّة معروضة للعوارض واللواحق الماديّة والجسمانيّة ، كما مرّ سابقا ، وسنذكره في التنبيه الآتي إن شاء الله تعالى.
فبعرفان الإنسان نفسه بالصفات المذكورة من الفقر والظلمة والحاجة ، وأنّ ما له من النعم إنّما هو بالغير ... يعرف ربّه بالغنى والقيوميّة وسائر الصفات الكماليّة.
وليس رجوعهم إليه تعالى بمعنى فنائهم واندكاكهم فيه ، أو عرفان أنّهم شئون لذات واحدة وتطوّرات لحقيقة فاردة ، كما مرّ في كلمات المستدلّ.
بل لعلّه بمعنى رجوع العبد إلى محضر مولاه راضيا عنه مرضيّا له ، نظير ما حصل للأنبياء ولموسى عليهالسلام ، ولنبيّنا صلىاللهعليهوآله في مقام الوحي والمكالمة.
فبملاحظة أنّ الله تعالى كلّم جميع خلقه برّهم وفاجرهم وردّوا عليه الجواب ـ كما دلّ عليه قوله تعالى : ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) ، المفسّر في الروايات الكثيرة بما ذكر ـ يظهر صحّة إطلاق الرجوع إليه تعالى على ما يقع لهم من عرض أعمالهم عليه ومن الخطاب منه تعالى لهم ليريهم ما أعدّ لهم من الثواب ، كما أنّ رجوع الكفار والفساق إليه إنّما هو بمعنى توقيفهم في موقف المحاسبة والعتاب عليهم وإراءة ما أعدّ لهم من جزاء أعمالهم.
قال الله تعالى : ( كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).
وقال تعالى : ( مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) (٢).
وقال تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ
__________________
(١) الأنعام ١٠٨.
(٢) يونس ٧٠.