بل القلب الحقيقي هو الجوهر النطقي من الإنسان ، والأصبعان هما العقل والنفس الكلّيان ، أو القوّتان : العقليّة والنفسيّة.
وقوله : المؤمن أعظم قدرا عند الله من العرش. ومعلوم أنّ هذه الأعظميّة ليست بجسميّة ، ولا لقوّة محصورة في عضو من أعضائه.
وقوله : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام (١).
وقول أمير المؤمنين وإمام الموحّدين عليهالسلام حين سأله حبر من الأحبار : هل رأيت ربّك حين عبدته؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره ، وقال : كيف رأيته ، أو كيف الرؤية؟ فقال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (٢). والرؤية العقلية لا يمكن بقوّة جسمانيّة.
وقوله في الجواب حين سئل عنه : كيف قلعت باب خيبر؟ : قلعته بقوّة ربانيّة ، لا بقوّة جسمانيّة (٣).
وعنه أنّه قال : الروح ملك من ملائكة الله ، له سبعون ألف وجه (٤).
وقال روح الله المسيح بالنور الشارق من سرادق الملكوت : لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرّتين. وقوله : لا يصعد إلى السماء إلاّ من نزل منها.
أقول : شرافة الإنسان وعظمته وأعظميّته وقدرته وقوّته ورؤيته الأشياء كما هي ومشاهدته إيّاها كلّها ورؤيته عالم الملكوت وصيرورته عرش الرحمن إلى غير ذلك ممّا لا يناسب الجسم والقوى الجسمانيّة ، كلّها بالأنوار الإلهيّة من العلم والقدرة والقوّة الربانيّة الخارجة عن ذاته ، كما أنّ رؤيته ربّه إنّما هي بربّه لا بذاته ، فلا دلالة في شيء منها على تجرّد النفس الحاملة لتلك الأنوار.
فيعرف الإنسان نفسه أنّه شيء قائم بالغير ، وأنّ الغير مشيّئه وقيّوم ذاته آنا فآنا ، وأنّه مباين ذاتا لقيّومه الذي هو الشيء بحقيقة الشيئية القائمة بذاته أزلا وأبدا ، وأنّه
__________________
(١) راجع البحار ٦١ : ١٣١.
(٢) البحار ٤ : ٤٤ ، عن التوحيد.
(٣) ورد مضمونه في البحار ٢١ : ٢٦ عن أمالي الصدوق ، والبحار ٤٠ : ٣١٨ عن الخرائج.
(٤) الدر المنثور ٤ : ٢٠٠.