توجب جبرا على الطاعة ورفعا للتكليف ، لكون القدرة وكمال الحريّة واردة ومسيطرة على هذه كلّها ، كما يشهد به الوجدان.
وبترك هذه الهداية من الله تعالى ـ لأجل إعراضهم وعدم اهتدائهم ، أي عدم قبول ما آتاهم الله من الهدى ـ تحصل الضلالة ، والعمى ، والختم ، والرين ، والغشاوة ، لا محالة.
والظاهر أنّها أيضا ـ بحسب الغالب ـ ليست على حدّ يوجب الجهل والعجز الرافعين للتكليف ، بل هي نظير الخذلان وترك الإعانة على الطاعة لا توجب إلاّ صعوبة الطاعة لا عدم إمكانها.
ولو فرض حصولها إلى هذا الحدّ فإنّه يكفي في جواز تعذيبهم عقلا بأشدّ العذاب عدم إيمانهم بالله تعالى شأنه ، أو عصيانهم إيّاه عند ما هداهم ، مرّة واحدة قبل خروجهم عن الدنيا بلا توبة. وذلك لوضوح اختلاف مراتب استحقاق الذمّ والعقاب على إهانة واحدة ـ مثلا ـ إلى الغير بحسب اختلاف مراتب المهين والمهان في القدر والمنزلة ، كما عليه بناء العقلاء في الجملة ، ويشير إليه ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم (١).
فمنه يظهر أنّ المعصية الواحدة من المخلوق الذي لا غاية لمهانته ـ كما هو ظاهر لمن عرف نفسه بأنّ شيئيّته وكماله بالغير ، والغير خالقه الذي لا نهاية لعظمته ، ولا إحصاء لنعمائه ـ يستحق بها من التوبيخ والعذاب ما لا يبلغ غايته ، كما ينبّه عليه دعاء زين العابدين صلوات الله عليه ( الدعاء السابع والثلاثون من الصحيفة الكاملة ) : ... فأمّا العاصي أمرك والمواقع نهيك ، فلم تعاجله بنقمتك ، لكي يستبدل بحاله في معصيتك حال الإنابة إلى طاعتك ، ولقد كان يستحقّ في أوّل ما همّ بعصيانك كل ما أعددت لجميع خلقك من عقوبتك. فجميع ما أخّرت عنه من العذاب وأبطأت به عليه من سطوات النقمة والعقاب ترك من حقّك ، ورضى بدون واجبك ...
ونقول لتوضيح الأمر الثاني ، من نصيب العقل في باب معرفة الله : إنّه تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقين ومباين لهم في ذاتهم وأوصافهم ومنزّه عنها ـ وهذه المعرفة هي
__________________
(١) البحار ٧٤ : ١٦٨ ، عن كنز الكراجكيّ.