وأمّا إذا لم يكن كذلك ، بل كان فيضه إبداعا لا من شيء ، بحيث لا يكون عدم صدور الفيض منه لنقص في ذاته ـ كما أنّ صدوره منه لا يكون فعلية كمال في الذات لم يكن له قبل ذلك ـ فلا مانع عقلا من التفكيك بينه وبين خلقه. ولذا يكون تعالى شأنه جوادا إن منع وإن أعطى (١). على أحد الوجهين في معنى هذه الجملة.
وفي الفرض الأخير يكون صدور ذلك منه على نحو الوجوب دائما منافيا للاستيلاء الكامل على طرفي الفعل والترك ، ومحدودية ونقصا يجب تنزيهه تعالى عنهما.
نعم لو وصل إلى حدّ يكون فعله قبيحا فالفاعل الحكيم لا يفعله عن قدرة واختيار ، ولذلك يمجّد ، لا لأنّه لا يقدر عليه ، أو يكون ممتنعا بالذات.
وحينئذ نقول : إن كان المراد من العلّة التامّة في المقام هو الخالق المتعالي بالنسبة إلى ما أبدعه في المخلوق لا من شيء ، بعد وجود المصلحة ، وبعد إرادته التكوينية لما أبدعه خارجا ـ التي لا تفكيك بينها وبين المراد ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٢) ـ فهو حق ، إلاّ أنّ المقصود في المقام هو أنّ الحق المتعالي له القدرة الكاملة والحرّية المطلقة في أن يشاء خلق شيء ويريده لا من شيء ، وأن لا يشاءه ولا يريده ، وكان أحدهما فضلا ، والآخر عدلا ، والمخصّص والمرجّح لأحدهما على الآخر رأيه القدّوس بلا تغيّر في ذاته ، فإنّ ذلك كمال وفعليّة يجب إثباتهما في الذات الأزلي ، وخلاف ذلك نقص ومحدودية يجب تنزيهه عنهما. ومن هذا شأنه لا مانع عقلا من التفكيك بينه وبين خلقه ولو في برهة من الدهر ، إظهارا لغناه عن الخلق ، وتنزيها لذاته القدوس عما قالوا في شأنه.
والإمكان والقوة ( في مقابل الفعلية ) المنفيّان عن الحقّ المتعالي إنّما يكون في المخلوق الخارج عن ذات الخالق لا في ذاته تعالى.
فقد ظهر مما ذكرنا إمكان التفكيك بين الخالق والمخلوق ( أي وجود الخالق ولا مخلوق ) عقلا ، بل الظاهر من الآيات والروايات المباركات وقوع ذلك.
__________________
(١) البحار ٤ : ١٧٢ ، عن الخصال والعيون.
(٢) يس ٨٢.