النوريّة ، حادث بالحدوث الحقيقي ، أنشأه الخالق تعالى شأنه بقدرته التي هي عين ذاته ، وبمشيته التي هي فعل له تعالى يظهر به قدرته.
والتطوّر الذي هو عين التغيّر ، والرشح والإشراق الذي حقيقته الولادة ، والمعروضيّة بالأعراض المختلفة ، والاتّصاف بالأوصاف المتضادّة وغير المتضادّة من الطهارة والقذارة ، والطيب والعفونة ، وحسن النظر وقبحه ، والنور والظلمة المحسوستين بالبصر ، والمحسوسيّة بالحواس الظاهرة والباطنة ، وقبول التصوّر بالصور الخارجيّة والذهنيّة وغيرها ، كلّ ذلك في تلك الحقيقة الثانية التي وصفناها لا في الذات الأقدس الربوبي جلّت عظمته.
والمباينة بين الحقيقتين المذكورتين بما لهما من الأوصاف الذاتية المذكورة من الواضحات.
وإطلاق لفظ الوجود على وجوديهما ـ نظير إطلاق الشيء عليهما ـ لا يقتضي وحدة الحقيقة والسنخ.
وبالجملة : هاتان الحقيقتان لمكان تباينهما لا يوجب وجود إحداهما محدوديّة الاخرى ولا التركيب في الذات ولو اعتبارا.
فشبهة أنّ مقتضى كونه تعالى غير محدود وأنّه لا يخلو منه مكان إنكار وجود الغير وإلاّ يلزم المزاحمة مندفعة أيضا بما ذكر في دفع شبهة التحديد والتركيب ، وهو أنّها تلزم إذا كان الأمران من سنخ واحد وحقيقة واحدة.
ونقرّب اندفاعها بذكر مثالين مرجعهما إلى تنزيه الذات الأقدس عن المحدوديّة والمزاحمة ، لا إلى التشبيه حتى يورد عليه بقوله تعالى : ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) (١).
الأوّل : لا مزاحمة بين وجود الجسم ( محدودا كان أو فرض غير محدود ) وبين وجود الأعراض من الكمّ ، والكيف ، والوضع ، والإضافة ، وغيرها ، كما لا مزاحمة بين الأعراض أنفسها.
الثاني : ـ وهو ألطف المثالين وأقربهما إلى درك حقيقة الإحاطة من غير لزوم
__________________
(١) النحل ٧٤.