وبالجملة : صحّة هاتين الجملتين : ( بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها ) بحسب المفهوم لا إشكال فيها ، إنّما الإشكال بل المنع الأكيد في كون جميع ما في دار التحقّق مصداقا لهاتين الجملتين ، لكونه مبتنيا على كون ما في عالم الوجود من الخالق والمخلوق حقيقة واحدة ، وهو ممنوع أشدّ المنع.
بل الواقع الذي هو من ضروريّات الأديان الإلهية أنّ في دار التحقق حقيقتين :
إحداهما : حقيقة قائمة بذاتها أزليّة أبديّة ، وهو الله تعالى شأنه ، الواحد الذي لا ثاني له في حقيقته ، وذاته الأحد أي المنزّه عن التركيب مطلقا ، حتى من التركيب الاعتباري ، أي التركيب من وجود وعدم غيره الذي هو من سنخ هذه الحقيقة. وبعبارة أخرى :
التركيب في حقيقة الإله الذي هو عين العلم وعين القدرة على إبداع الأشياء وإيجادها بمشيئته وإرادته لا من شيء ، أي لا من رشح وإشراق من نفسه ، فإنّه الولادة منه الملازمة للتغيّر بفعله ، ولا من تطوّر وتشؤّن في نفسه ، فإنّه عين التغير في الذات المنزّه عنه الذات الأزلي القائم بذاته ، كما صرح به أبو الحسن الرضا عليهالسلام : لا يتغيّر الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود (١) ، ولا من مادّة أزليّة تكون مشاركة له في التحقق والوجود ، كما صرّح به أمير المؤمنين عليهالسلام : لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة (٢).
فإنّ الخلقة بأحد الوجوه الثلاثة ليست لا من شيء ، لأنّها لو كانت من المادّة الأزليّة لكانت من شيء ، مضافا إلى أنّه عين الشرك ، ولو كانت من نفسه تعالى بأن تكون بالفيضان والرشح أو بالتطور والتشؤّن ففي كلا الفرضين تكون الخلقة من الشيء بحقيقة الشيئيّة ، وهو الذات الأزلي ، فلا يصحّ التعبير بأنّها لا من شيء كما صرّحت به الروايات الكثيرة (٣).
الحقيقة الثانية : حقيقة مخلوقة قائمة ذاتها بخالقها وشيء بالغير ، نعني : عنوان كونه بالغير مأخوذ في ذاته ، مبدع لا من شيء ، فاقد ذاته للعلم والقدرة وسائر الكمالات
__________________
(١) راجع ص ٦٣.
(٢) راجع ص ٦٨.
(٣) انظر البحار ٤ : ١٦١ و ٥٧ : ٤٦ ، ٦٧ ، ٧٦.