الإلهيّون والأولياء المحققون ... (١).
أقول : قوله : « فالعالم متوهّم » متوهّم ومبني إمّا على كون مراده من الماهيات الحدود ، فإنّ الواقعية للوجود لا للحدود التي ليست واقعيتها إلاّ أنّها عدم ما سوى المحدود بها من الوجودات ، كما وصف بعضهم الماهيات بأنّها ما شمّت رائحة الوجود (٢).
وإمّا على كون المراد من الماهيّات الوجودات المحدودة بعدم ما سواها من الموجودات ، ووجه كونها باطلة الذوات أنّ التعيّن بهذه الحدود العدمية أمور اعتبارية ، والواقعية إنّما هي للوجود الذي ليس إلاّ وجود الحق المنطوي في هذه الكثرات التي هي بمنزلة الأمواج لبحر الوجود.
ثم إنّ بعض عباراته في كتبه وإن كان موهما أو ظاهرا في الالتزام بالعلّية والمعلولية في الوجود ولكنّه صرّح في بعضها بقوله : فما وضعناه أوّلا بحسب النظر الجليل من أنّ في الوجود علة ومعلولا أدّى أخيرا من جهة السلوك العلمي والنسك العقلي إلى أنّ المسمى بالعلة هو الأصل ، والمعلول شأن من شئونه وطور من أطواره ، ورجعت العلّية والإفاضة إلى تطوّر المبدأ بأطواره ، وتجلّيه بأنحاء ظهوراته ، فاستقم في هذا المرام الذي زلّت فيه الأقدام (٣).
أقول : هذا التوهّم وأمثاله من الأوهام أوجب الالتزام بما هو مخالف لضروريات الأديان ، ولما يحكم به العقل والفطرة السليمة والوجدان ، وأوجب أيضا ارتكاب التأويلات لنصوص الآيات والروايات الصادرة عن أهل بيت الوحي بما لا يساعده الفهم العرفي العقلائي من الكلام ، والتمسّك لإثبات مرامهم بالمتشابهات التي دلّت على خلافها المحكمات من الكتاب والسنّة ، ومنشأ ذلك كلّه هو القول بأنّ في دار التحقق ليس إلاّ حقيقة واحدة وموجود واحد سمّوه الوجود ، وأنّ ما يرى من الاختلاف والكثرة مراتب ودرجات وتطورات لتلك الحقيقة الواحدة.
__________________
(١) الأسفار ٢ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤.
(٢) كابن عربي في الفصوص ، انظر شرح الفصوص ١ : ٣٣٣.
(٣) المشاعر ٨٤ المشعر الثامن ، الأسفار ٧ : ٣٠٠.