وليس بشيء من الأشياء » على الخارج مبتن على القول بأن كلّ ما في عالم التحقق حقيقة واحدة ، وأنّ جميع الأشياء أطوار هذه الحقيقة وشئونها وتعيناتها ، وأنّ التوحيد الذي يجب الاعتقاد به هو بهذا المعنى.
وبالجملة : ما تقدّم فهو ممنوع أشدّ المنع ، لما مر من أنّ المباينة وعدم السنخية بين الحقّ المتعالي القائم بذاته وبين المخلوقات القائمة ذواتها بالغير بحيث كان عنوان القيام بالغير مأخوذا في ذاتها واضحة ، ولا سيما مع ملاحظة أنّ الأشياء المخلوقة معروضة للعوارض ، وذاته تعالى منزّه عن ذلك ، وملاحظة أنّها حقائق مظلمة ، وذاته الأقدس حقيقة العلم والنور ، فإنّ إدخالها في الذات الأقدس واشتمال الذات الأقدس القائم بذاته المنزه عن المعروضية للعوارض ، الذي حقيقته النور والعلم على ذات المخلوق الموصوف بما ذكرنا نقص لذاته القدّوس ، بل محال ذاتا ، فلا تجري القاعدة المسلّمة المذكورة فيه تعالى مع مخلوقاته ، لا من جهة تخصيص القاعدة والحكم العقلي ، بل من جهة خروجها عنه موضوعا ، كما في القواعد الثلاث المتقدمة.
ما تقدم في الروايات المباركة من قوله صلىاللهعليهوآله : تنزّه عن مجانسة مخلوقاته (١).
وقوله عليهالسلام : كنهه تفريق بينه وبين خلقه (٢). وقوله عليهالسلام : إنّه ربّ خالق غير مربوب مخلوق (٣). وقوله عليهالسلام في الدعاء المعروف بدعاء يستشير : أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت المالك وأنا المملوك ، وأنت الربّ وأنا العبد ، وأنت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت المعطي وأنا السائل ، وأنت الجواد وأنا البخيل (٤). بل من أوّل الدعاء إلى آخره ، وقوله عليهالسلام في دعاء يوم عرفة : أنت الذي أنعمت ، أنت الذي أحسنت ... إلى أن قال : ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي ، أنا الذي أخطأت ، أنا الذي أغفلت ... إلى أن قال : أنا الذي وعدت ، وأنا الذي أخلفت (٥) ..
__________________
(١) راجع ص ٦٢.
(٢) البحار ٤ : ٢٢٨ ، عن التوحيد.
(٣) البحار ٤ : ٢٥٣ ، عن الاحتجاج.
(٤) مهج الدعوات ١٢٤.
(٥) البحار ٩٨ : ٢٢١.