والثلاثة الاولى بجميع معانيها منفية عن الحقّ المتعالي ، أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلأنّه الولادة المنفية عنه تعالى عقلا وكتابا وسنة ، كما ذكرنا. وأمّا الثالث فلأنّ مرجعه إلى التغيّر الذي هو من صفات المصنوع ، المنزّه عنها الذات القدّوس الأزليّ الذي ليس بمصنوع. والأمر واضح في المثالين الأولين للمعنى الثالث. وأمّا في المثال الثالث فللمباينة الواضحة بين سنخ الوجود المبدع لا من شيء وبين الذات الأقدس الذي هو الشيء بحقيقة الشيئية ، والموجود بذاته لا بالغير.
مضافا إلى أنّ الوجود المصنوع ـ كما مرّ مرارا ـ مظلم ذاتا ، محتاج في ظهوره إلى العلم الذي هو حقيقة النور ـ كما هو المشهود بعد التذكر ـ وتطوّر الشيء بما هو مباين له ذاتا محال. مضافا إلى تنزهه تعالى عن التطور مطلقا ، لكون مرجعه إلى التغيّر ، ولا أقلّ من كونه من الانقسام الوهميّ الذي أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه في معنى الواحد : لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (١).
وأشار إليه الإمام الرضا عليهالسلام بقوله : ... ويوحّد ولا يبعّض ... (٢).
وأشار إليه أيضا في خطبته : ولا إيّاه وحّد من اكتنهه (٣).
فكل ما نسب إليه تعالى من التجلي ، كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ) (٤).
وفي خطبة النبيّ صلىاللهعليهوآله : فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى (٥).
وفي خطبة الرضا صلوات الله عليه : بها تجلّى صانعها للعقول (٦).
وفيها : متجلّ لا باستهلال رؤية.
وفي نهج البلاغة : فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه (٧).
__________________
(١) البحار ٣ : ٢٠٧ ، عن التوحيد. وتقدّم الخبر بتمامه في ص ٨٢ ، ٨٣.
(٢) البحار ٣ : ٢٩٧ ، عن التوحيد.
(٣) البحار ٤ : ٢٢٨ ، عن التوحيد.
(٤) الأعراف : ١٤٣.
(٥) البحار ٤ : ٢٨٧ ، عن التوحيد.
(٦) البحار ٤ : ٢٢٨ ، عن التوحيد والعيون.
(٧) الخطبة ١٤٧ وروي بهذا المضمون عن الصادق عليهالسلام كما في البحار ٩٢ : ١٠٧ ، عن أسرار الصلاة.