من أن مقتضى الإطلاقات والعمومات وجوب الغسل في كل شيء قابل له بين الحدين أعني القصاص والذقن ، أو المرفق وأطراف الأصابع ، وقد خرجنا عن ذلك فيما صدق عليه عنوان الجوف أو ما لم يظهر ، لأنه غير واجب الغسل بمقتضى الأخبار ، إذ قد ذكرنا سابقاً أن الباطن وإن لم يكن موضوعاً للحكم إلاّ أن مرادفه أعني الجوف أو ما لم يظهر قد أُخذ موضوعاً للحكم بعدم وجوب الغسل في بعض الروايات الواردة في المضمضة والاستنشاق (١) وغيرها فليلاحظ ، فاذا علمنا أن موضعاً من الجوف أو مرادفه فهو ، وإن شككنا في ذلك وجب الرجوع إلى مقتضى العموم والإطلاق وهو وجوب الغسل كما مرّ. ولكن الماتن لم يرد بذلك الشبهة المفهومية ، وإنما أراد الشبهة المصداقية والموضوعية ، وللشبهة المذكورة صور وأقسام.
صور الشبهة الموضوعية :
الاولى : أن يكون للمشكوك فيه حالة سابقة ، بأن كان من الظاهر الذي يجب غسله في الوضوء ، ولا إشكال حينئذٍ في استصحاب بقائه على الحالة السابقة ووجوب غسله بمقتضاه.
الثانية : أن يكون له حالة سابقة على خلاف الصورة المتقدمة ، كما إذا كان المشكوك فيه من الجوف وما لم يظهر وهو الذي لا يجب غسله في الوضوء فهل يجري استصحاب كونه من الجوف أو غير الظاهر حينئذٍ أو لا؟ فيه كلام ، والظاهر جريان الاستصحاب في هذه الصورة أيضاً كما في الصورة المتقدمة ، وبه يحكم على عدم وجوب غسله ، هذا.
وقد يقال بعدم الجريان ، نظراً إلى أنه من الأُصول المثبتة ، بدعوى أن المأمور به هو الطهارة وإثباتها باستصحاب كونه من الجوف والباطن يبتني على القول بالأصل المثبت.
ويردّه : أن الطهارة إما أن تكون عنواناً واسماً للوضوء ، أعني نفس الغسلتين والمسحتين كما أشرنا إليه سابقاً وقلنا إنه ليس ببعيد ، وعليه لا مانع من جريان
__________________
(١) الوسائل ١ : ٤٣١ / أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٦ ، ٩ ، ١٢.