إذن لا إطلاق للصحيحة من حيث المقدار الذي لا بدّ من مسحه ، فلو كنّا نحن والصحيحة لاحتملنا أن يكون الواجب مسح تمام الربع المقدّم من الرأس أو تمام المؤخر مثلاً ، فان مسح ذلك بتمامه أو ببعضه مما لا يمكن استفادته من الصحيحة ، نعم إطلاق الآية المباركة في نفسها تام ولا مانع من الاستدلال به على التقريب المتقدم فلاحظ.
بقي الكلام في وجه استفادة التبعيض من الآية المباركة ، وأنه من جهة استعمال كلمة الباء في التبعيض أو لأجل تضمينها معنى « من » أو لأجل استعمالها في التبعيض مجازاً أو لغير ذلك من الوجوه ، ولكن تحقيق ذلك مما لا يترتب عليه ثمرة عملية ، لأن ما يهمنا إنما هو معرفة الأحكام الشرعية ، والصحيحة كما تقدم صريحة في الحكم ، وأن الواجب إنما هو مسح بعض الرأس ، وأما أنه من أية جهة فلا ثمرة في تحقيقه.
نعم ، أنكر سيبويه مجيء الباء بمعنى التبعيض (١) وعليه استند العلاّمة قدسسره في إنكاره ذلك كما حكي (٢) ولكنه لا ينافي الصحيحة المتقدِّمة ، لأنّ دلالتها على وجوب مسح البعض يمكن أن تكون مستندة إلى مجيء الباء بمعنى التبعيض كما صرح النحاة بجوازه عدا سيبويه أو مستندة إلى التضمين أو المجاز ، وكيف كان لا إشكال في دلالة الصحيحة على ذلك.
ويمكن أن يقال : إنّ نظره عليهالسلام في قوله : « لمكان الباء » إلى أن استفادة التبعيض من الآية المباركة إنما هي من جهة الإتيان بالباء وتغيير أسلوب الكلام لا أنها من جهة استعمال الباء في التبعيض. إذن فالباء يدلنا على التبعيض ، لا أنها مستعملة فيه ، وبيان ذلك : أن المسح والغسل ممّا يتعدّى إلى المفعول بنفسه من دون حاجة إلى الاستعانة بالباء ، فيصح أن يقال : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) كما في الآية المباركة ( وَامْسَحُوا ) رؤوسكم ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ، من دون الإتيان بالباء ، فالإتيان بها مع عدم
__________________
(١) كما حكى عنه في مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٤٥ السطر ١٩.
(٢) حكى عنه في مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٤٥ السطر ١٩ ، لاحظ المنتهي ١ : ٤٠ ، ٤١ والمختلف ١ : ١٢٢ والتذكرة ١ : ١٦٢.