الدالّة على عدم وجوب الاستبطان تحت الشراكين الصريحة في عدم وجوب الاستيعاب في مسح تمام ظاهر القدم ، وإن أُريد منه إدخال شيء من العظم الناتئ في قبّة القدم في الممسوح ، بأن يمسح ما بين الأصابع إلى مقدار من الكعبين فهو مما لا مناص من الالتزام به من باب المقدمة العلمية وتحصيل الجزم بالامتثال والإتيان بالمأمور به ، لعدم إمكان المسح من الأصابع إلى الكعبين بحده على نحو لا يدخل شيء من المبدأ والمنتهى في المحدود على ما قدمناه في غسل الوجه واليدين. وبهذا تصبح المسألة خالية عن الثمرة العملية ويتمحض النزاع في البحث العلمي الصرف.
وعلى أي تقدير قد اتضح مما سردناه عدم إمكان الاستدلال على وجوب مسح الكعبين بقوله عزّ من قائل ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) بدعوى أن إلى بمعنى مع في الآية المباركة وأن معنى الآية وجوب مسح الأرجل مع الكعبين ، والوجه في عدم تمامية هذا الاستدلال أنه على تقدير تسليم أن إلى بمعنى مع ، إن أُريد بذلك وجوب مسح الكعبين من أوّلهما إلى آخرهما فهو باطل جزماً ، لعدم وجوب الاستيعاب في مسح الرجلين كما مرّ. وإن أُريد به وجوب المسح بشيء منهما فقد عرفت أنه مما لا مناص من الالتزام به من باب المقدمة العلمية ، سواء أكانت الغاية داخلة في المغيّا أم كانت خارجة.
كما أن الاستدلال على دخولهما فيما يجب مسحه بأن الغاية داخلة في المغيى مما لا وجه له ، والوجه فيه عدم كون ذلك من القواعد المسلمة حتى يمكننا الاعتماد عليه في محل الكلام ، لضرورة أنها بعد أول الكلام.
على أنّا لو أغمضنا عن ذلك فلا إشكال في أن الغاية لو كانت داخلة في المغيى فإنما يدخل فيه شيء من أجزائها ، ولم يتوهم أحد كونها داخلة في المغيى بتمامها ، مثلاً إذا قيل : صم من أول النهار إلى الليل ، لم يكن معنى ذلك : صم من أول النهار إلى آخر الليل ، بل معناه بناء على أن الغاية داخلة في المغيى صم من أول النهار إلى مقدار من الليل ، وهذا مما لا مناص من الالتزام به في جميع موارد التحديد من باب المقدمة العلمية كما تقدّم.