المأتي به والمأمور به واختلافهما بحسب اختلاف القصود ، فان القصد هو المناط في التمايز بين مثل الظهرين وصلاتي الفجر ونافلتها وصلاة الأداء والقضاء ، على ما استفدناه من الروايات من أنها حقوق مختلفة باختلاف القصود ، وليست طبيعة واحدة ، فقد دلّتنا صحيحة عبيد بن زرارة « إلاّ أن هذه قبل هذه » (١) على مغايرة صلاتي العصر والظهر ، حيث أشار بكل من كلمتي « هذه » إلى إحدى الصلاتين ، ولو لا مغايرتهما لم يكن معنى لقوله : هذه وهذه ، لأنهما وقتئذٍ شيء واحد مركّب من ثمان ركعات وبحسب الطبع يكون إحدى الأربعة منها سابقة على الأُخرى من دون حاجة في ذلك إلى البيان والتنبيه.
وأيضاً يدلّنا على ذلك ما ورد في العدول من الفريضة إلى النافلة ومن الحاضرة إلى الفائتة ، ومن اللاّحقة إلى السابقة.
كما يمكن الاستدلال على التغاير في الأغسال بما دلّ على أنها حقوق متعدِّدة ، حيث قال عليهالسلام « فاذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد » (٢) ومع التغاير بحسب الطبيعة كيف يعقل الحكم بصحة المأتي به في محل الكلام ، لأن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، وإن كان لو علم بالحال لأتى بما هو المأمور به في حقه وترك ما بيده ، غير أنّ كونه كذلك لا يقتضي الحكم بصحة عمله بعد عدم انطباق المأمور به على المأتي به في الخارج ، اللهمّ إلاّ أن يقصد الفريضة الواقعية بحسب الواقع ، كما إذا أتى بها بقصد ما هو فريضة الوقت غير أنه أخطأ وطبّقها على صلاتي الظهر والعصر فإنها حينئذٍ تقع صحيحة ، لأن الواجب الواقعي مقصود وقتئذٍ إجمالاً وهو يكفي في الحكم بصحة العمل وإن أخطأ في تطبيقه.
وما سردناه هو الميزان الكلي في باب الامتثال ولا معنى فيه للداعي والتقييد ، فإن المأمور به إذا كان بحيث ينطبق على المأتي به في الخارج ، فلا مناص معه من الحكم
__________________
(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢١.
(٢) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.