وثانيهما : التقصير ، وأما في غيرهما من الإحرام من المواقيت ودخول مكة والطواف فهما مشتركان لا يمتاز أحدهما عن الآخر. والنية أمر قلبي لا معنى للتقية فيه لعدم ظهورها في الخارج وهذا ظاهر ، والتقصير مما يتمكن منه أغلب الناس ، لأن أخذ شيء من شعر الرأس أو الأظافر أمر متيسّر للأغلب ولو في الخلوة ، فالتمتع في الحج فاقد لشرط التقيّة. نعم ، إنها إحدى المتعتين اللتين حرمهما الخليفة الثاني إلاّ أن تابعيه قد قبلوا منه تحريم متعة النساء ولم يقبلوا منه تحريم متعة الحج ، بل وقع فيه الخلاف بينهم ، فعن مسند أحمد : أن عبد الله بن عمر حج متمتعاً فقيل له هل تخالف سنة أبيك؟ فقال : يا سبحان الله سنة أبي أحق أن يتبع أم سنة رسول الله (ص) وفي خبر آخر سنة الله ، فليراجع.
فالتقية في متعة الحج فاقدة للشرط بحسب الأغلب ، فلو وجد مورد ولم يتمكن فيه من التمتع على طريقة الشيعة فهو من النذرة بمكان ، والأخبار منصرفة عن مثله إلى ما هو الغالب لا محالة.
وأما المسح على الخفين ، فلأجل أن وجوب المسح عليهما ليس من المسائل الاتفاقية عندهم ، بل الأكثر منهم ذهبوا إلى التخيير بين المسح عليهما وغسل الرجلين ، وذهب بعضهم إلى أفضلية المسح على الخفّين (١) إذن فلا موضوع للتقية في المسح على الخفين ، بل ينتزع الخفين عن رجليه من غير خوف ولكنه يغسلهما تقيّة كما ورد الأمر بغسلهما في بعض الأخبار وقد حملناه على التقيّة (٢).
وعلى الجملة : أن عدم جريان التقيّة في الأُمور المذكورة إنما هو من جهة خروجها عن التقيّة بحسب الموضوع أو الشرط ، فإن شئت قلت بحسب الموضوع فقط لأنه الجامع بين الموضوع الذي أشرنا إليه والشرط ، ولا نظر للرواية إلى عدم جريان التقيّة فيها بحسب الحكم حتى تكون مخصصة للعمومات والإطلاقات ، وذلك للقطع بأن الأمر إذا دار بين المسح على الخفين وضرب أعناق المؤمنين لم يرض الشارع بترك
__________________
(١) راجع تعليقة ص ١١٢.
(٢) الوسائل ١ : ٤٢١ / أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٥.