محكومة بالوجوب.
ثم إن التقيّة بالمعنى الجامع بين التقيّة بالمعنى الأعم والتقيّة المصطلح عليها قد يتصف بالوجوب ، كما إذا ترتبت على تركها مفسدة لا يرضى الشارع بوقوع المكلف فيها كالقتل ، هذا في التقيّة بالمعنى الأعم ، وأما التقيّة بالمعنى الأخص فقد عرفت أنها مطلقاً واجبة وإن لم يترتب عليها إلاّ ضرر يسير.
وقد يتصف التقيّة بالمعنى الجامع المتقدم بالحرمة التشريعية ، وهذا كما إذا أجبره الجائر على الصلاة خلف من نصبه إماماً للجماعة أو خلف رجل آخر علمنا فسقه ، فإنه إذا صلّى خلفه ناوياً بها التقرب والامتثال فقد فعل محرماً تشريعياً لا محالة ، لأن التقيّة تتأدى بصورة الصلاة معه ، وحيث إنه يعلم ببطلانها وعدم كونها مأموراً بها حقيقة فلو أتى بها بقصد القربة كان ذلك محرماً تشريعياً لا محالة. ونظيره ما إذا أتى بالعبادة تقيّة وقلنا إنها غير مجزئة عن المأمور بها ، لأن التقيّة إنما تقتضي جواز العمل فقط ولا تقتضي الاجزاء عن المأمور به كما ذهب إليه جمع ومنهم المحقق الهمداني قدسسره كما في المسح على الخفين مثلاً ، فإنه لو اتقى بذلك ومسح على خفيه تقيّة لم يجز له أن يقصد به التقرّب والامتثال ، لعدم كونه مصداقاً للمأمور به ، فلو قصد به ذلك كان محرماً تشريعياً كما عرفت (١).
ومن ذلك ما إذا وقف بعرفات يوم الثامن من ذي الحجة الحرام تقيّة وقلنا بعدم إجزائه عن الوقوف المأمور به وهو الوقوف بها يوم التاسع من الشهر المذكور مطلقاً أو فيما إذا علم بأن اليوم يوم الثامن دون التاسع ، فإنه لا يجوز أن ينوي به التقرّب والامتثال وإلاّ لارتكب عملاً محرماً تشريعياً لا محالة.
وثالثة تتصف التقيّة بالمعنى الجامع بالحرمة الذاتية ، وهذا كما إذا أجبره الجائر بقتل النفس المحترمة ، فإنه لا يجوز له أن يقتلها تقيّة ، لما دلّ على أن التقيّة إنما شرعت لحقن
__________________
وصحيحة معلّى بن خنيس المتقدمة المروية في الوسائل ١٦ : ٢١٠ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٢٤.
(١) لاحظ مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٦٤ ، ١٦٨ ، ١٧٠.