وأمّا إذا استندنا في الحكم بصحّة العمل المتقى به وإجزائه إلى الأدلة اللفظية كقوله عليهالسلام « ما صنعتم من شيء ... » (١) أو غيره من الروايات المتقدمة كما صنعه شيخنا الأنصاري قدسسره (٢) فإن استفدنا من الأمر بالتقية في ذلك المورد أو من غيره انقلاب الوظيفة الواقعية وتبدلها إلى ما يراه العامة وظيفة حينئذٍ ، فأيضاً لا بدّ من الحكم بالبطلان لعدم مطابقة العمل المأتي به لما هو الوظيفة في ذلك الحال ، وهذا كما في غسل الرجلين بدلاً عن المسح حال التقيّة أو الغسل منكوساً بدلاً عن الغسل من الأعلى إلى الأسفل ، فإن ظاهر الأمر بهما أن الوظيفة حال التقيّة في الوضوء إنما هو الوضوء بغسل الرجلين أو الغسل منكوساً ، ولا يجب عليه المسح أو الغسل من الأعلى إلى الأسفل.
وكذا الحال في مسح الخفين بناء على الاعتماد على رواية أبي الورد ، لدلالتها على الرخصة في مسح الخفين عند التقيّة ، وقد ذكرنا أن الرخصة في مثله لا يحتمل غير الترخيص الغيري وعدم كون ذلك العمل مانعاً عن الوضوء بل هو جزء أو شرط له. ففي هذه الموارد إذا أتى بالوضوء ولم يأت بغسل الرجلين أو بمسح الخفين أو بالغسل منكوساً فلا محالة يحكم ببطلانه ، لمخالفة الوضوء كذلك للوضوء الواجب حينئذٍ وذلك لما استفدناه من الأدلة من التبدل والانقلاب بحسب الوظيفة الواقعية.
وأمّا إذا لم نستفد من الدليل انقلاب الوظيفة الواقعية وتبدلها إلى العمل المطابق للعامّة ، بل إنما علمنا بوجوب التقيّة فحسب بمقتضى الأدلة المتقدمة كما هو الحال في الوقوف بعرفات يوم الثامن من ذي الحجة الحرام ، فلا يبعد حينئذٍ الحكم بصحّة العمل ، لأن مقتضى الأدلة اللفظية سقوط الجزئية والشرطية والمانعية في ذلك الحال وعدم كون الفعل مقيّداً بما اقتضت التقيّة تركه أو فعله ، ومعه لا وجه لبطلان العمل ، إذ الحج مثلاً في حقِّه غير مقيد بالوقوف يوم التاسع لاضطراره إلى تركه تقيّة ، فاذا أتى
__________________
(١) المتقدمة في ص ٢٤٣.
(٢) رسالة في التقيّة : ٣٢٣ ٣٢٤.