وأمّا في العبادات فترك العمل فيها على طبق التقيّة وإتيانه على طبق الوظيفة الواقعية يتصوّر على وجهين ، وذلك لأن التقيّة قد تقتضي فعل شيء إلاّ أن المكلف يتركه ويخالف فيه التقيّة ، وأُخرى ينعكس الأمر فتقتضي التقيّة ترك الإتيان بشيء في مورد والمكلف يخالف التقيّة ويأتى به.
أمّا إذا اقتضت التقيّة فعل شيء وخالفها المكلف بترك ذاك العمل ، فالصحيح صحة عباداته مطلقاً سواء أكان فعله جزءاً من العبادة على مذهبهم كقول آمين بعد القراءة أم كان شرطاً للعبادة كما في التكفير بوضع إحدى اليدين على الأُخرى ، أو لا هذا ولا ذاك بل كان أمراً مستحباً عندهم غير أن التقيّة اقتضت إظهار الموافقة معهم في الإتيان بالمستحب كصلاة الجماعة معهم ، فاذا ترك التأمين والتكفير ولم يصل معهم وهو في المسجد ، فالظاهر صحّة عمله ، لموافقته للوظيفة الواقعية وغاية الأمر أنه ارتكب الحرام بتركه التقيّة ، إلاّ أن ارتكاب المحرم في الصلاة غير مضر بصحّتها بعد ما فرضنا كونها مطابقة للمأمور به الواقعي ، والسر في ذلك أن الأدلّة الآمرة بالتقيّة كقوله عليهالسلام « لا دين لمن لا تقيّة له » أو « لا إيمان له » ونحوهما مما قدمنا نقله (١) إنما تدلنا على أن التقيّة من الدين وتركها أمر غير مشروع ، وأما أن القيود المعتبرة عند العامّة أيضاً معتبرة في العمل تقيّة فلا دلالة لها على ذلك كما مر.
وأما إذا كانت التقيّة في الترك وخالفها المكلف بإتيان ذلك الفعل وهو مطابق للوظيفة المقررة بحسب الواقع فله صورتان :
إحداهما : ما إذا كان العمل المأتي به في العبادة على خلاف التقيّة خارجاً عن العبادة ولم يكن من قيودها وشرائطها ، كما إذا اقتضت التقيّة ترك القنوت إلاّ أن المكلف قد أتى به وترك التقيّة بتركه ، ولا مانع في هذه الصورة من الحكم بصحة العبادة ، لأن العمل المأتي به وإن كان محرماً على الفرض وقد وجب عليه أن يتركه للتقيّة ، غير أن العمل المحرم الخارج عن حقيقة العبادة غير مضر للعبادة بوجه.
__________________
(١) في ص ٢١٥.