فاعله كيف يمكن أن يكون مقرّباً إلى الله سبحانه ، فهل يكون المبغوض محبّباً والمبعّد مقرّباً.
وأمّا بالإضافة إلى الجاهل القاصر ، فلأن الإجماع المدعى على صحّة الوضوء منه لا يحتمل أن يكون إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رضى المعصوم ورائه ، وإنما هو مستند إلى ما زعموه في محل الكلام من أن المورد من موارد اجتماع الأمر والنهي ، لأن الغسل بماء الغير واجب من جهة ومحرم من جهة أُخرى ، فإذا كانت الحرمة متنجزة لكونها واصلة إلى المكلف فلا محالة نبني على بطلان الوضوء والعبادة ، لما عرفت من أن الحرام والمبغوض لا يقع مصداقاً للواجب والمحبوب ، ومع العلم بهما لا يمكن قصد التقرّب بالعمل. وأمّا إذا لم تتنجّز الحرمة ولم تصل إلى المكلّف وفرضناه معذوراً في ارتكابه لأن جهله عذر مستند إلى قصوره ، فلا مانع من أن يأتي بالعمل والمجمع ويقصد به القربة حيث لا حرمة متنجزة في حقِّه حتى تمنع عن قصد التقرب وكون العمل مصداقاً للواجب.
وهذا مما لا يمكن المساعدة عليه كما تعرّضنا له مفصّلاً في الكلام على مسألة اجتماع الأمر والنهي (١) وذلك لما أشرنا إليه من أن المقام خارج عن بحث الاجتماع ، فان الغصب يحرم التصرّفات الواقعة فيه بأجمعها ومن جملتها الغسل ، فيكون الغسل مصداقاً للواجب والحرام وتركبهما اتحادي لا محالة ، بمعنى أن ما هو متعلق للنهي بعينه مصداق للواجب ومع التركب الاتحادي أعني وحدة المصداق حقيقة لا يكون المورد من موارد اجتماع الأمر والنهي ، ومعه لا مناص من أن يقيد الترخيص في تطبيق الطبيعي المأمور به على مصاديقه بغير هذا المصداق المحرم ، لاستحالة اجتماع الحرمة والوجوب في شيء واحد حقيقي ، لوضوح أن الحرام لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب والمبعّد لا يمكن أن يكون مقرّباً كما تقدم ، هذا كله في صورة العلم بحرمة المجمع.
وأمّا إذا لم تتنجز الحرمة على المكلّف لجهله المعذر له ، فلا ينبغي الإشكال في جواز
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٩٥.