الأمر بالأهم فلا مناص من الاكتفاء فيه بمقدار الضرورة ، كما هو الحال في موارد التخصيصات العقلية وهو صورة امتثال المكلف للأمر بالأهم ، فإنه وقتئذٍ غير مكلف بالوضوء جزماً ، لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ، ولأجل الفرار من هذا المحذور رفعنا اليد عن إطلاق الأمر بالمهم عند امتثال المكلف للأمر بالأهم فان بهذا المقدار من تقييد دليل المهم يرتفع المحذور العقلي من البين ، ومعه لا موجب لرفع اليد عن أصله وأساسه ، فاذا فرضنا أن المكلف عصى للأمر بالأهم والمفروض بقاء الأمر بالمهم بحاله فلا مانع من التمسك بإطلاقه والحكم بوجوب الوضوء عليه في محل الكلام ، لتمكنه منه بحسب العقل والشرع ، فاذا أتى به وقع صحيحاً ومأموراً به لا محالة.
نعم ، قد استشكل شيخنا الأُستاذ قدسسره في جريان الترتب في الطهارات الشرعية ، مدعياً أن القدرة قد أُخذت في موضوعها لقوله عزّ من قائل ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ... ) لأن التفصيل قاطع للشركة ، فيدلنا ذلك على أن الوضوء وظيفة واجد الماء كما أن التيمم وظيفة الفاقد والعاجز عنه ، وحيث إن المكلف في مفروض الكلام غير متمكن شرعاً على صرف الماء في الوضوء لمكان مزاحمته مع الواجب الأهم فلا يكون الوضوء مشروعاً في حقه لاختصاصه بالواجد والمتمكن منه كما عرفت ، وعصيان الأمر بالأهم لا يجعل العاصي متمكناً من الماء شرعاً ، لوجوب صرف الماء في الإزالة مثلاً ، ولا قدرة له في استعماله في الوضوء ، سواء امتثل التكليف بالأهم أم لم يمتثل (١).
ونحن أيضاً قد بنينا على ذلك برهة من الزمان وقد عدلنا عنه أخيراً ، نظراً إلى أن القدرة المأخوذة في هذه الموارد أعني الوضوء والحج وغيرهما إنما هي القدرة بالمعنى اللغوي ، أعني المفهوم العرفي العام وهو التمكن من الشيء تكويناً وعدم الممنوعية عنه شرعاً ، وليس لها معنى شرعي آخر ، وحيث إن المكلف عند عصيانه الأمر بالأهم يتمكّن من الإتيان بالمهم تكويناً كما لا ممنوعية له عنه شرعاً ، فيتحقق الموضوع للأمر
__________________
(١) فوائد الأُصول ٢ : ٣٦٧.