لا يقتضي النهي عن ضدّه. إذن فالوضوء مستحب ومحبوب ولم يتعلّق به أي نهي ، فلا محالة يقع صحيحاً ، وإن كان المكلف قد عصى بتركه التيمم الواجب في حقه حتى يتمكّن من إيقاع الصلاة كلها في وقتها. فاذا صح ذلك وحكم على المكلف بالطهارة والوضوء فله أن يصلي بهذا الوضوء أية صلاة شاءها ومنها قضاء صلاته في خارج الوقت ، هذا.
ولكن الصحيح أن يقال : إنّا ذكرنا في التكلّم على مقدّمة الواجب (١) أن عبادية الوضوء والغسل غير ناشئة عن أمرها الغيري المقدمي ، بل إنما نشأت عن استحبابها النفسي ، إذن فالعبادية في مرتبة سابقة على الأمر الغيري المقدمي.
نعم ، لا يعتبر في عباديتها قصد أمرها النفسي على ما أسلفناه في محله كما سبق في التكلم على التعبدي والتوصلي ، أن العبادية يكتفى فيها بالإتيان بذات العمل وإضافته نحو المولى سبحانه نحو إضافة ، وبهذا يمتاز الواجب التعبدي عن التوصلي ، فعلى ذلك يكفي في صحة الوضوء في محل الكلام الإتيان به مضافاً إلى الله سبحانه نحو إضافة من غير أن يعتبر في صحته قصد الحصة الخاصة من الوضوء أعني الوضوء المأمور به مقدّمة للصلاة.
فما أفاده الماتن لا يتم لا على ما ذكرناه آنفاً ولا على ما هو ظاهر عبارته. أما بناء على ما سردناه آنفاً ، فلأن قصد المكلّف الإتيان بالحصة الخاصة من الوضوء أعني الوضوء الواجب مقدّمة للصلاة الذي هو المراد من قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد قصد أمر لا واقع له ، حيث عرفت أن الوضوء بطبيعيه عبادة ومستحب ذاتي وليست له حصتان ولا هو على نوعين وقسمين ، فقصد الحصة الخاصة من الوضوء مما لا واقع له ، وهو نظير قصده الوضوء الليلي أو النهاري حيث لا حصة للوضوء من حيث الليل والنهار ، فالقيد بهذا المعنى مما لا واقع له. نعم المقيد وهو الصلاة على قسمين ، لأنها قد تتقيد بالطهارة الترابية وقد تتقيد بالطهارة
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٠١.