من الأوامر الواردة في الآية المباركة والروايات بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ليس إلاّ وجوب إصدار مطلق الطبيعة على كل مكلف من المكلفين على وجه يصح إسناده إليه لدى العرف ، وهذا أمر يختلف باختلاف المكلفين والأشخاص من جهة قدرتهم وعجزهم ، فإنه كالاختلاف في التعظيم والتجليل حسب اختلاف الأشخاص من حيث القدرة وعدمها ، فنرى أن من عجز عن القيام للتعظيم إذا حرّك جانبه أو قام لا على وجه التمام تعظيماً للوارد عليه أو إقامة غيره ، صحّ أن يسند إليه التعظيم على وجه الحقيقة ، بخلاف من تمكّن من القيام ، لأنه إذا لم يقم على وجه التمام بل حرّك جانبه أو قام لا على وجه التمام ، أو إقامة غيره وهو متمكِّن من القيام لم يصحّ إسناد التعظيم إليه حقيقة.
وكذلك البناء المتمكِّن من البناية ، لأنه لا تستند إليه البناية إلاّ فيما إذا باشرها بنفسه ، كما إذا بنى داراً أو حانوتاً مثلاً فيصح حينئذٍ أن يقول قد بنيت الدار ويسند البناية إلى نفسه على وجه الحقيقة ، وأمّا إذا بناهما غيره ولو بتسبيبه فإنّه لا يصحّ أن يسند إليه بنايتهما حقيقة ، وهذا بخلاف مالك الدار العاجز عن البناية لصحّة أن يقول إني بنيت داري أو حانوتي أو عمّرتهما ، ويصح أن يسند بنايتهما إلى نفسه حقيقة مع أنه إنما أوجد البناية بالتسبيب من دون أن يصدر عنه بالمباشرة.
وعليه فاذا عجز المكلف من التوضؤ بنفسه وبالمباشرة واستعان فيه بالغير بأن أوجده بالتسبيب صح أن يسند إليه فعل الوضوء لدى العرف. وبهذا يظهر أن الأخبار الواردة في الغسل والتيمم الدالة على وجوبهما على من عجز عنهما بالتسبيب على طبق القاعدة ، لأنها كما عرفت تقتضي إصدار العمل بالتسبيب إذا لم يمكن الإتيان به بالمباشرة.
وهذا الوجه قد ذكره شيخنا المحقق الهمداني قدسسره (١) ولعمري أنه قد أجاد فيما أفاد وجاء فيما نقلناه عنه بما فوق المراد وكم له قدسسره من بيانات شافية في المطالب الغامضة والدقيقة فشكر الله سعيه وأجزل مثوبته.
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٩٠ ١٩١.